تحالفات الحرب وموازين القوى في السودان .. من يملك القرار في المشهد المضطرب؟

بقلم :إسماعيل يونس محمد

كمبالا – 6 – يوليو – 2025م

باحث متخصص في الشؤون السياسية

واقع جديد بعد الحرب:

أعادت حرب 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ترتيب المشهد السياسي في السودان، مفرزة موازين قوى جديدة وتحالفات عسكرية ومدنية قلبت الطاولة على القوى التقليدية، ومهّدت الطريق لفاعلين جدد يتحكمون في مسار البلاد، سواء نحو السلام أو استمرار النزاع.

تفكك الكتلة المدنية:

مع اندلاع الحرب، تراجعت الأصوات المدنية التي كانت حاضرة في المشهد قبلها، وسرعان ما انقسمت الكتلة المدنية بين مؤيد لطرف من أطراف الصراع أو ملتزم بحياد لا يخلو من التردد والارتباك.

أحزاب سياسية وبعض لجان المقاومة وقفت إلى جانب الجيش منذ البداية، دون مراجعة دقيقة لخلفيات الحرب أو تحديد المتسبب فيها.

فكّ الحياد .. الحركات الدارفورية تدخل المعركة:

بعد نحو ثمانية أشهر من الحرب، قررت بعض الحركات المسلحة كسر الحياد والانضمام لمعسكر الجيش، وعلى رأسها: حركة تحرير السودان – مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة – جبريل إبراهيم.

وبرّرت هذه الخطوة بأنها تأتي دفاعًا عن المدنيين في دارفور، بعد موجة من الانتهاكات نُسبت إلى الدعم السريع.

لكن خلف هذا الموقف تكمن حسابات أعمق، إذ إن الحركات المسلحة تحمل خصومات تاريخية مع الدعم السريع، ووجدت في الحرب فرصة “لرد الصاع” ضمن سياق “تحالف الضرورة”.

من بقي على الحياد؟

في المقابل، تمسكت حركات أخرى بالحياد، مثل: تحرير السودان المجلس الإنتقالي – الهادي إدريس، والتجمع – الطاهر حجر، والعدل والمساواة – صندل.

وشكّل هؤلاء نواة لتحالف مدني جديد تحت اسم “تقدُّم”، دعا إلى وقف الحرب، لكنه لم يصمد كثيرًا أمام ضغوط الحرب والاستقطاب، لينقسم لاحقًا إلى جناحين: صمود وتأسيس.

التحول الأكبر: تحالف “تأسيس” في نيروبي:

في أواخر 2024، أُعلن في العاصمة الكينية نيروبي تحالف “تأسيس”، وهو تحالف واسع يضم الدعم السريع، الحركة الشعبية – شمال، وأطرافًا مدنية. زأهم بنوده: الإقرار بالدولة العلمانية، وإقامة نظام حكم فدرالي، والإقرار بحق تقرير المصير في حال فشل الوحدة الطوعيةِ.

ويُعتبر التحالف أخطر تحول سياسي بعد اندلاع الحرب، ويعيد طرح أسئلة مصيرية حول شكل الدولة السودانية ومستقبل وحدتها الجغرافية.

من يملك التأثير؟

المراقبون يجمعون على أن مشهد ما بعد الحرب لم يعد يسمح بالتوازنات السابقة، والفاعلان الوحيدان القادران على فرض واقع جديد هما: تحالف الجيش وحلفاؤه، وتحالف تأسيس بقيادة الدعم السريع.

بينما تراجعت بقية القوى المدنية إلى الخلفية، بلا تأثير فعلي، على الأقل في هذه المرحلة.

التدخل الخارجي .. من يستحق الجلوس إلى الطاولة؟

معروف أن أطرافًا دولية وإقليمية تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في النزاع السوداني، لكن الخبراء يحذرون من تجاهل الفاعلين الحقيقيين، ويدعون إلى: التعامل مع مراكز القوة الفعلية لا الهاشمية وتجنب إضاعة الوقت في محاولات إرضاء الأطراف غير المؤثرة، وإعادة صياغة مسارات السلام وفق واقع القوة على الأرض.

خلاصة:

أفرزت الحرب واقعًا جديدًا لا يمكن تجاوزه بخطاب تقليدي أو محاصصات سياسية.ومع استمرار النزاع وتعقّد المشهد، أصبح الطريق إلى سلام شامل مرهونًا باعتراف محلي ودولي بواقع موازين القوى الجديدة، وبالقدرة على تجاوز الحلول الجزئية التي أثبتت فشلها سابقًا.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.