جــــذور الصـــــراع كــيف تحولــت الشعـــارات إلـــى رصــاص؟

أ/سليــــم محــمد عبداللــه

ثـــلاثـــة أعوام مــن التضليل والتعــتيم السياســي العــسكري أبـعدت الشــعب الســوداني عن فهم الحقيقة، وجعلــته يعيش في عزلـة شـبه كاملة عن العالم الخارجي. سنوات من تغييب المجتمع عن الوعي الســياسي والاجتماعــي دفعت السودان إلى أتون صراعات متكررة، وكان الشعب هو الثمن الباهظ لهذه الأخطاء. فالجذور الحقيقية للـــصراع، تكمن في النظام السابق ويكشف كيف تحولت الشعارات السياســية إلى رصاص، وأثر ذلك على الأمة السودانية ومستقبلها من قبل الإسلاميين والذين استقلوا الدين الاسلامي كشــعارات.

الـــنظام السابـــق، الذي حكم الســـودان لأكــثر مـن ثلاثــين عامًا، لم يكن مؤسسًا لمؤسسة عسكريــة حقيقــية لحماية الوطن والمواطن، بل أفرغ المؤسسة العسكرية من وظيفتها الأساسية وحولها إلى أداة لخدمة مصالح شخصــية وسياســية واستثــمارية. رغم أن النظام كان يخصص نسبة ضخمة من الميزانية تصل أحيانًا إلى أكثر من 70٪ للأمن والدفاع، إلا أن الحرب الأخيرة كشفت عن حجم الفساد واستغلال الموارد، وبأن المؤسسة العــسكرية كانت خارج الخدمــة الحقيقية للوطن، وعملت بدلًا من ذلك لخدمــة الأفــراد والصــفوة

الســـبب المـــباشر فــي حرب 15 أبريل يــعود لمن أشعلوا الشرارة استنادًا إلى شعاراتهم المتطرفة، التي لم يناقشها الشعب السوداني بوعي. للأسف الشديد، الإعلام السوداني، الذي يفترض به توعية المجتمع، كان غائبًا أو غير مؤهل لمناقشة الحقائق، بل ساهم كثير منه في تضليل الرأي العام وتعزيز نفوذ النظام السابق. الواقع يعكس مدى سقوط الإعلاميين وفقدانهم الأهليـــة للتحدث باسم المــواطن والــوطن، وهو ما ساعد على استمرار الحروب في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، دون مســـاءلة حقيقية للمسؤوليـــن

خـــلال خــمسة وعـــشرين عامًا قبــل ســـقوط النظام، تكشفت خطورة السياسات القمعية التي أدت إلى انتشار العنف في مختلف أنحاء البلاد. من استهداف الطلاب والأساتذة إلى الناشطين المدنيين، لم يسلم أحد من بطش النظام. الإحصاءات تشير إلى أن العنف الطلابي وحده خلف أكثر من 2200 قتيل من طلاب الجامعات ، معظمهم من الشباب الذين طالبوا بالحرية والعدالة والكرامة بالإضافة إلي شهــداء الــثورة الــسودانــية أبرزها 2013 و 2019ثورة ديسمبر المجيدة فالمجيد لثورة ديسمبر المجيدة ونحن علي ايام من الاحتفال بذكرها رغم الظروف لكن تظل خالدة في أذهان الكثيرمن أصحاب النضالات والتضحيات في سبيل العدالة والمســـاواة والحرية والكرامــة الإنسانيـــة بين الــناس

مـن بــين هؤلاء الشــهداء، يبرز اسم الاســتاذ احمــد الخير و الدكتور الســـنهوري وعبد العظيم و علــي ابــكر شهيد جامعة الخرطوم وغيرهم ممن ضحوا بحياتهم في سبيل الحقوق الأساسية والنضال من أجل الحرية. ومع ذلك، لا يزال المســــؤولون عن هذه الجرائـم طلقاء، دون محاسبة حقيقية محلية أو دولية، وهو ما يعكس حجم الفشل الذي أصاب الدولة والشعــب الســوداني على حد سواء.

غـــياب المحاســــبة والشــــفافية زاد من ســـقوط الدولة في الفوضى، واستمرار ثــقافة الإفــلات من العقاب عمّق الصراعات الداخلية، وجعل الشعب هو الضحية الأولى. كثير من السودانيين لم يستوعبوا بعد حجم الخطر، مما يجعل مستقبل الســودان هشًا، ويزيد احتــمالية تكـرار النزاعــات إذا لم يتم استعادة الوعي الشعبي

الواقــع يكـــشف أن الـــصراع لم يكــن وليـــد اللحظــــة، بل تراكم تاريخي من الأخطاء السياسية، التعتيم الإعلامي، واستغلال الموارد. كل هذه العوامل جعلت الشعارات تتحول إلى رصاص، والصراعات الصغيرة إلى حروب مدمرة، وأضــعفت المجتمع السوداني على المستويين الاجتماعي والسياسي

حرب الســـــودان، بما في ذلك أحــداث 15 أبريــــل، لــم تكن وليـــدة اللحـــظة، بل نتيجة تراكمات ثلاثة عقود من التعتيم والتضليل، واستغلال المؤسسة العسكرية والموارد العامة، وتحويل الشعارات إلى أدوات حرب. الحقيقة المرة أن الشعب هو من دفع الثمن الأكبر، بينما المسؤولون عن الخراب ما زالوا طلقاء، والإعلام غير المؤهل ساهم في تضليل الرأي العام.

التــحدي الأكـــبر الآن يكمن في وعي المجتمع، ومطالبة المسؤولـــين بالمحاسبة، وإعادة بناء الوطـن على أسس الحق والشفــافية. السودان بحاجة إلى شعب واعٍ، يعي جذور الصراع، ويــعمل على كسر دورة العنف، ليــعود إلى مكانــته بيــن الأمم ويكــسر دائرة التدميــر الطويلة التي خلفــها النــظام الــسابق.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.