الهُوية الوجه المشرق للشعوب..

الخرطوم – عين الحقيقة

نعم تمثل العالمية نزعة صحية للثقافات القومية وهي تحاول توسيع رقعة التعارف بينها وبين ثقافات الشعوب المختلفة ولكن الغير ومحاط بالشكوك هو نزعة الرفض لبعض الثقافات داخل إطار القومية نفسها وهذا ينذر بشبهة إلتهام الأقليات ثقافيًا بل تقيؤها وأستبعادها كجنين ساقط يرفضه أبواه، وهذا ما يحدث في السودان تحديدا حيث توطين لثقافة حددها نظام الحكم وهيمنته، وهذا يعد إعتداء على التاريخ ذات نفسه ويتعداه ليكون هيمنة على مستوى الممارسات السياسية وقومية مؤسسات الدولة خاصة المعنية منها بالثقافة والتراثيات.
تعدد الثقافات والتراث المحلي واقع جغرافي وتاريخي وروحي إنساني ورغم الإختلاف بين السودانيين وتنوع لهجتهم وسحناتهم وتراثهم إلا أنها تجتمع في وحدة العرق الإفريقي وثقافته تاريخيا وجغرافيا، إذن هي جذور مشتركة لا ينبغي التضحية بذلك لأجل بناء عمق سياسي محدد وفرضه على المجتمع، ومن أقرب المثل تبجيل المرأة والتغني لها على مر ضروب الفن والتراث السوداني الأصيل ومعلوم رمزيتها تغنوا لها في تراثيات الشمال بمختلف اللهجات، تغنوا لها في ثقافة الوسط النيلي، ونالت حظها في التراث الشعبي من غرب السودان وتصدرته لتكون الممسكة بزمام الفن من خلال وجود المرأة الحكامة التي لها صيتها وصولاتها وتعتبر الأعلى رأيا لما لها من مكانة، وبين كل ذلك تتعدد التسميات الرمزية للمرأة فقد تغنى عملاق إفريقيا الراحل وردي للمرأة ذات المساير في أغنيته الشهيرة (وجهك بين مسايرك زي بدر إكتمل)، وتغنت قبائل غرب السودان لأجل” أم قرون” وهي ذاتها صاحبة المساير أو الضفائر التي تغنى لها وردي، ربما حرب أبريل كانت الأسوأ على مر التاريخ السوداني ولكن إن كان لها حسنة فهي نشر الثقافة والتراث لجميع إثنياته المختلفة، واليوم ما نشاهده من تضليل إعلامي من مؤسسات ذات الدولة التي أقصت الثقافة المحلية الأقاليم في الأطراف، تعيد ذلك برفض أغنيات محببة للعامة وغزت أحاديثهم في كل مكان في السودان فلا فرق بين المساير وضفائر ام قرون في ثقافات البلاد المختلفة بل هي دعة التوافق حول محبة وتمجيد تلك النسوة التي تغزل لأجلها الأشعار ، واليوم في زمان الحداثة ووسائل التواصل تداخلت المحبة والمعرفة بين هذه التراثيات والثقافات المختلفة وانفتاح المجتمع على تعارف بين مكوناته الإثنية المختلفة وساهم التعليم وأجتماع أبناء البلد الواحد في الجامعات ومعاهد التعليم رمز لتلاقح وألتقاء ثقافي فشاب من دارفور أو الوسط يريد الإرتباط من فتاة الشرق البجاوي، وشاب من الشرق أو الشمال يريد الإرتباط بأم قرون الغرب، وهذا مستمر بالإنفتاح الثقافي بين أبناء الشعب الواحد وإنه ما يجب أن يكون حتى يصبح السودان في إنصهار بين مكوناته تخلق وحدة تهزم التفرقة والعنصرية وتخلق تقبل دائم، وإذا رجعنا للحديث عن الثقافات العالمية نجد أن الدول غيرنا تجاوزت ذلك في كل مكان ووصلت لوحدة إنتهت من كل مظاهر التمييز الإثني العرقي والثقافي، وهذا من خطى التقدم نحو إبعاد ما خلفته الأنظمة السابقة من تكريس العرقية والجهوية الزائفة، بل هذا ما يصل بنا المفهوم التعايش السلمي وتقبل الآخر بحق وحقيقة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.