(الطمبور).. أوتار تعدت جغرافية المكان والزمان

(عين الحقيقة)

الطمبور الاسم الذي ارتبط بحضارات السودان القديمة وهو آلة العزف الوترية التي تسمى عند النوبيين قيسار (من كلمة القيثارة) وعند البِجا باسنكوب وهي مكونة من خمسة أوتار، لا يعزف بها سوى السلم الخماسي الذي يشتهر به السودانيون وتعزف بطريقة عكس كل الآلات الوترية فلابد من الضغط على كل الأوتار باليد اليسرى والضرب على الأوتار كلها باليد اليمنى، والوتر المراد سماع نغمته هو ما تتركه وليس العكس وتعتبر أقدم آله وترية عرفها الإنسان على الإطلاق.
السودان بمساحاته الشاسعة وتعدد ثقافاته وتنوعها أنتج تنوعاً وثراءً من حيث المنجز الثقافي والفلكلوري، وارتبطت بعض الآلات الموسيقية وأنماط العزف عليها بجهات جغرافية ومجموعات إثنية بعينها، ولكن هناك آلة يجمع عليها أهل السودان كافة، وهي آلة الطنبور التي ارتبطت تاريخيا بشمال السودان غير أنها وجدت بكثرة في غربه وشرقه وجنوبه السابق والحالي، وأن كان بأشكال وأسماء واوتار وانغام مختلفة.
وعن صناعة الطنبور قال محمود محمد أحمد الذي يعمل في صناعة الطنبور منذ سنوات مضت: تصنع الآلة من خام القدح المتوفرة في جميع البيوت، بجانب الجلد ويفضل جلد رأس الثور، وهناك نوع يصنع من العصي التي يجب تثبيتها بإحكام على القدح وتتكون من خمسة أوتار، ارتبطت لدى الكثيرين بالحزن والوحدة لجهة أنها تصدر أنغاماً حزينة، وتسلي رعاة الأبل في الصحراء.
ويحدث عنه علاء الدين علي الأستاذ بكلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان: أن هناك عدداً من المؤرخين يرجعون أصل الطنبور إلى الحضارة النوبية التي بدات قبل الاف السنين من الميلاد، وكانت تسمي بآلة (الكسر)، بكسر الكاف ثم انتقلت إلى مناطق الشايقية جنوباً عبر النشاط التجاري بين المنطقتين، وأستخدم التجار المراكب لنقل بضائعهم وكانت الوسيلة الوحيدة آنذاك وصارت الأساسية لما يصاحب الرحلة من عزف عبر الطنبور وغناء لكسر عقارب الساعة التي تتوقف مع طول المسافة ذهاباً وإياباً.
ويقول الموسيقار دكتور الفاتح حسين : ساهم مغنو الطنبور بمناطق النوبة في انتشارها لتشمل مناطق الشايقية، بينما اعتمدت قبائل أخرى بشمال السودان آلات إيقاعية مختلفة لممارسة الغناء الشعبي، فقبائل الجعليين على سبيل المثال تستخدم (الدلوكة والشتم)، أما قبائل البجة بشرق السودان تشارك النوبيين والشايقية الطنبور مع قبائل النيل الأزرق، لكن بأنواع وأحجام مختلفة، وعرف عندهم بالـ (باسكوب)، كما عرف عند الشلك بالـ (طوم)، وفي مناطق البرتا يطلقون عليه الـ (بلونقرو)، وفي منطقة الأنقسنا سمي بالـ (جنقر)، والآلة تختلف نغمتها من منطقة إلى أخرى، لكن الفنان الراحل عوض عبدون برع في استخدامها وسجل للإذاعة السودانية في برنامج ربوع السودان، ومن بعده أتى النعام آدم وكان له الفضل في ظهور أغنية الشايقية، فهو أول فنان استخدم الآلة ويعد الرافد الأساسي والمجيد فيها، سيما وأنه يقوم بصناعتها بنفسه.
و تتعدد مسميات الطمبور بتعدد المناطق، ففي شرق السودان يسمى (باسنكو)، وفي النيل الأزرق عند قبائل (الأنقسنا) يسمى (أبنقرن)، و(كنجن) و(كاسندي) في مناطق جبال النوبة، و (أم بِري بِري)، عند قبيلة (الحوازمة) وشمال كردفان، وفي الجنوب يسمى (طوم) لكنه طويل القوائم ويعزف بآلتين الأولى باص والثانية ليد”
وقد وجدت الآلة مرسومة في مواقع أثرية عديدة في شمال السودان التي كانت معبرا ليصل إلى إثيوبيا وإريتريا في شرق أفريقيا وامتدادا حتى وسط القارة السمراء، و الطمبور في الشمال ارتبط بإيقاع (الدليب)، المأخوذ اسمه من أشجار عالية موجودة في غرب السودان، وتجلب إلى شمال السودان، وقام هواة الطرب بصنع آلات إيقاعية من خشب هذه الأشجار وتُجَلَّد بالجلد ويضرب عليها إيقاعا سريعا، اصطلح عليه فيما بعد بإيقاع الدليب”.
ورغم اشتهار الطمبور بإيقاع الدليب إلا أنه يعزف الإيقاعات الأخرى التي تستخدمها بقية قبائل السودان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه القديم ومن أقصى شرقه إلى أقصى غربه”، وذكر أن فناني الشمال قديما كانوا يستخدمون الإيقاع فقط مع الغناء وأشهرهم عبد الرحمن بلَّاص، إلا أن الموسيقي الشهير النَّعَّام آدم، يُعد أول فنان ظهر في الإعلام يستخدم الطمبور مع إيقاع الدليب في الغناء ومن ثم جاء تلاميذه من بعده وأشهرهم إسحق كرم الله، ومحمد جبارة، ومحمد كرم الله، وصديق أحمد وغيرهم إلى يومنا هذا.
و إيقاع الدليب هو إيقاع قديم موجود حتى في الحضارة اليونانية، وقد انتشر في أوروبا مؤخرا من خلال الهجرات المتبادلة، وقد ألف عليه مؤخرا الموسيقار العالمي (ياني)، إحدى مقطوعاته الموسيقية.
والبعض يرى ان الربابة هو اسم آلة العزف اما الطنبور هو نوع الغناء المرتبط بالشوايقة علي هذه الآلة، وإن الطمبور الشمالي منصوري التطوير وللشوايقة دليب،و ان بالاشاره إلى موضوع الأغنية عند الشايقيه فالانثي تشكل لب الشعر عندهم حتى إذا غنو للوطن فالوطن عندهم أنثى وحتى رقصهم فيه ميوعة ونرجسية هذه الآلة من الأشياء التي توحد السودانيين في بيئاتهم فهي أصيلة في كافة أطراف السودان.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.