السودان والخوف المزمن: حين يصبح الجهل سياسة متعمّدة

إسماعيل يونس محمد

في عام 1994، أصدر الفيلسوف الياباني – الأمريكي فرانسيس فوكوياما كتابه الشهير «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، متناولًا فيه محطات حاسمة في مسيرة تطوّر الإنسان، خصوصًا في دول العالم الأول.
ورغم ما أثاره العنوان من جدل، أوضح فوكوياما أنه لا يقصد “نهاية الحياة” أو “توقف الزمن”، بل كان يشير إلى أن بعض الدول – مثل الولايات المتحدة، واليابان، والدول الإسكندنافية – قد بلغت ذروة ما يمكن أن يطمح إليه البشر من تطور سياسي واقتصادي وتقني.
وكأن هذه الدول قد وصلت إلى قمة الجبل، وصاح إنسانها: “لقد بلغت القمة!” ما الذي أوصلهم إلى القمة؟
العامل السياسي:
اعتماد النظام الديمقراطي، الذي سمح بتداول سلمي للسلطة وخلق بيئة مستقرة للحرية والمساءلة.
العامل الاقتصادي:
تبنّي اقتصاد السوق الحر والمنافسة المفتوحة، ما وفر للمواطن خيارات واسعة في التعليم، والسكن، والتنقل، والعمل، والاستهلاك، وجعله شريكًا حرًّا في بناء حياته.
ولذلك، لم يكن شباب برلين أو طوكيو أو واشنطن بحاجة لتفجيرات “غيبية” كتلك التي تحدث في مجتمعات تعاني من القهر واليأس والضياع.
ما الذي يخيف شعوب هذه الدول؟
رغم التقدم، ظهرت لدى هذه الشعوب مخاوف جديدة:
الانتحار الفردي لأسباب نفسية أو اجتماعية غير مفهومة، ربما بسبب الفراغ الروحي أو ضعف الروابط الأسرية.
الخوف من المجهول، مثل الكوارث الطبيعية، الأوبئة، أو تقلبات الطبيعة التي لا يمكن التنبؤ بها. فيروس كورونا 2019 مثال حيّ لهذه الهواجس.
وماذا عن السودانيين؟
السودانيون يخشون أشياء أكثر بدائية، لكنها أكثر واقعية وتكرارًا. وتكمن في عاملين أساسيين:
الجهل بالأشياء والتصرف بناء عليه:
المؤسسات السياسية والإدارية كثيرًا ما تتصرف من منطلق الجهل، بل تُكرّسه كوسيلة للسيطرة.
مثال ذلك: مواجهة التمرد بالحرب، بدلاً من حل أسبابه. وإن استمرار هذا النمط يُهدّد بقاء الدولة نفسها.
تكرار الأخطاء دون اعتراف:
في السودان، تتكرر الأخطاء السياسية والإدارية دون أي مراجعة أو محاسبة، بل غالبًا ما تُنسب للآخرين.
وهذا ما يفقد المواطن الأمل في المستقبل، ويجعله أسيرًا لخوف دائم من الحاضر والمجهول.
ختامًا:
بينما تخشى شعوب الدول المتقدمة ما لم يأتِ بعد، يخاف السودانيون مما يعيشونه كل يوم: الجهل المتعمد، تكرار الفشل، والعجز عن كسر هذه الحلقة.
خوفنا ليس فلسفياً .. بل وجودي بالكامل.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.