من عمق الهامش إلى رحاب الوطن الفسيح: محمد حسن التعايشي “سادن” التغيير المصادم رئيسياً للوزراء
كمبالا - عبدالرحمن العاجب
في مدينة “رهيد البردي” العريقة الوادعة التي ترقد في حزام السافنا الغنية، وتقع في أقصى الجنوب الغربي لولاية جنوب دارفور، في بداية سبعينيات القرن المنصرم جاء مولده في عام 1973م .. ولم يتوقع أفراد أسرته البسيطة أن يكون لهذا الفتى شأن في مقبل الأيام، ولاحقاً صار محمد حسن التعايشي من الشخصيات السودانية المثيرة للجدل وذائعة الصيت في الساحة السياسية السودانية .. تلقى التعايشي تعليمه الابتدائي في مدرسة “رهيد البردي” ثم انتقل إلى مدرسة “برام” المتوسطة والثانوية، قبل أن يلتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة الخرطوم، حيث برز كقائد طلابي مؤثر، وتولى رئاسة اتحاد طلاب الجامعة في دورة تحالف القوى الوطنية الديمقراطية 2003م – 2004م بعد صراع طويل مع نظام الإنقاذ، وأفلح التعايشي ورفاقه في التحالف من إستعادة إتحاد طلاب جامعة الخرطوم.
في النشاط السياسي بجامعة الخرطوم لمع نجمه، وعُرف كادراً خطابياً مميزاً لكيان الطلاب الأنصار وحزب الأمّة بالجامعة.. وكان وقتها قيادي شاب وبارز في حزب الأمّة القومي، وتخرج التعايشي من كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بعد أن قضى في ردهات الجامعة فترة (10) سنوات، بين مفردتيْ (ساس يسوس) تناثرت رؤاه في شارع (المين)، وضمن سجلات ناشطي المجتمع المدني الدارفوري كثيراً ما يتردد اسمه خصوصاً بعد الخلافات التي شهدها حزب الأمّة القومي في ذلك القوت، ومنذ ذلك الوقت كان له رأي واضح حول غياب المؤسسية في حزب الامة القومي، وطريقة إدارة الحزب، والأشخاص الذين يعوقون خطوات معالجة مشاكل الحزب العريق.
سياسياً، كان التعايشي ينتمني إلى حزب الأمة القومي، وكان عضواً في تجمع المهنيين السودانيين، وعضواً في مجلس السيادة، وشارك في مؤتمرات المجتمع المدني في الدوحة عامي 2009 و2010. كما ساهم في التأليف والنشر، وله كتاب بعنوان “أسباب عنف الطلاب في الجامعات السودانية” نُشر عام 2005. وعرف عنه مواقفه الداعمة لترسيخ القيم الأخلاقية في الممارسة السياسية، وتمكين المرأة والشباب، وتهيئة المناخ لشراكة حقيقية بين مختلف شرائح المجتمع، وهي رؤى شكلت أساساً لفلسفته السياسية خلال فترة عضويته في مجلس السيادة الانتقالي، وفي تحركاته الأخيرة ضمن تحالفات سياسية جديدة تسعى إلى إعادة تشكيل المشهد السوداني.
وبعد تخرجه من جامعة الخرطوم، انخرط التعايشي في العمل العام، وشارك في عدد من المبادرات المدنية والسياسية، حيث عمل في وكالة تطوير الحكم والإدارة بالخرطوم بين عامي 2005 و2013، ثم انتقل للعمل في صندوق دارفور للإعمار والتنمية. في عام 2014، وهاجر إلى العاصمة البريطانية لندن، لكنه واصل نشاطه السياسي والفكري من خلال التواصل مع الجاليات السودانية في المهجر، وطرح رؤى وبرامج تهدف إلى إسقاط النظام السابق وبناء مستقبل سياسي جديد للسودان، وبرز التعايشي كأحد الشخصيات التفاوضية الرئيسية في محادثات السلام المتعلقة بمسار دارفور، والتي أنتجت فيما بعد ما عرفت بإتفاقية “جوبا: للسلام، وكان له دور محوري في التوصل إلى اتفاقات مع الحركات المسلحة بشأن العدالة والمصالحة، بما في ذلك تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما اعتبره جزءاً من شعارات الثورة ومبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وفي خطوة تعكس تحولات جذرية في المشهد السياسي السوداني، أعلن تحالف السودان التأسيسي “تأسيس” أمس السبت الموافق 26 – يوليو – 2025م عن اختيار محمد حسن التعايشي لتولي منصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية التي يجري تشكيلها والتي أطلق عليها حكومة السلام والوحدة، وبحسب المتابعين أن هذا القرار، جاء بعد مشاورات مكثفة داخل التحالف، الذي يضم قوى سياسية ومسلحة متعددة، من بينها الحركة الشعبية شمال، وتجمع قوى تحرير السودان، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، إلى جانب إدارات أهلية، وذلك ضمن ترتيبات تهدف إلى إعادة هيكلة السلطة التنفيذية وتوسيع قاعدة المشاركة الوطنية في ظل الانقسام الحاد بين القوى المدنية والعسكرية.
ويذكر أن التعايشي لعب دوراً كبيراً وأساسياً في اليوم التاريخي، الذي لم يشهده تاريخ السودان الحديث، وذلك عندما شهدت قاعة المناضل الإفريقي العظيم “جومو كنياتا” في العاصمة الكينية “نيروبي” في الثالث والعشرون من شهر فبراير الماضي ميلاد تحالف السودان التأسيسي “تأسيس” ووقع على الميثاق السياسي والدستور وقتها، أكثر من (24) كيانًا وحزبًا سياسيًا وحركةً مسلحةً وتحالفًا وقوى مدنيةً ونقابية، وبمشاركة فاعلة من قوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) بقيادة القائد عبد العزيز أدم الحلو، وبالنسبة لبعض المراقبون فإن تحالف “تأسيس” يعتبر أكبر تحالف مدني سياسي وعسكري في تاريخ السودان الحديث، وتضمن الميثاق والدستور تشكيل حكومة أطلق عليها إسم “حكومة الوحدة والسلام”.
وأقر الميثاق تأسيس دولة سودانية جديدة على أسس عادلة ومستدامة، بجانب الوحدة الطوعية للسودان أرضًا وشعبًا، كما أكد على وحدة المصير المشترك للشعوب السودانية، وبناء دولة علمانية ديمقراطية يتحقق فيها العيش الكريم والاستقرار والتنمية، مع القضاء على الفقر والجوع والمرض والجهل والتمييز والتهميش، كما أثنى الميثاق على التضحيات العظيمة للشعوب السودانية ومقاومتها الصلبة للاستبداد والظلم، وأقر الميثاق صراحة مبدأ الوحدة الطوعية، وسيادة الدولة على كامل أراضيها ومواردها الطبيعية ومياهها الإقليمية، وأن الشعوب السودانية هي المالكة الأصيلة للسيادة الوطنية والمصدر الأساسي للسلطة.
ولأول مرة في تاريخ السودان تم إقرار علمانية الدولة ولا مركزيتها، على أن تقوم على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، وألا تنحاز إلى أي هوية ثقافية أو عرقية أو دينية أو جهوية، مع الاعتراف بالتنوع والتمثيل العادل لجميع مكونات المجتمع، كما كفل الميثاق والدستور حق تقرير المصير للشعوب السودانية، حال عدم إقرار العلمانية كمبدأ فوق دستوري في الدستور الحالي أو الدستور الدائم، وتحدث الميثاق والدستور صراحة عن تأسيس نظام حكم لامركزي (فيدرالي) يعترف بالحق الأصيل لجميع الأقاليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية، مع تمثيلها على المستوى القومي، فضلاً عن إقرار نظام حكم ديمقراطي تعددي.
وأقر الميثاق والدستور صراحة بتأسيس جيش وطني بعقيدة عسكرية جديدة تقوم على القومية والمهنية، ويعكس التعدد والتنوع، ويخضع للرقابة والسيطرة المدنية، مع خلوه من الولاءات الحزبية والأيديولوجية، وألا يتدخل في الشؤون السياسية أو الاقتصادية، بحيث تقتصر وظيفته على حماية البلاد والنظام الدستوري، ويبدو أن مسألة بناء وتأسيس جيش وطني ومهني جديد، هي من المسائل التي كانت غائبة في كل الأجندة السياسية لدى كثير من الاحزاب السياسية والحركات المسلحة التي ظلت تتحدث عن إصلاح الجيش دون جدوي.
وشدد الميثاق على إعادة صياغة المناهج التعليمية بما يعكس التنوع التاريخي والمعاصر للسودان، وإعادة كتابة التاريخ وفق منهج تربية وطنية يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي لجميع الشعوب السودانية، وإقرار مبدأ المواطنة المتساوية كأساس للحقوق والواجبات، والاعتراف بالتنوع الإثني والديني واللغوي والثقافي، وجعل العاصمة القومية مرآةً للتنوع السوداني، تعكس قيم المواطنة والتعدد، وكفل الميثاق الحريات وفقًا للمبادئ الدولية لحقوق الإنسان.
وأقر الميثاق والدستور صراحة حرية العمل النقابي والطوعي، والتجمع السلمي، وحرية التعبير، والحصول على المعلومات والإنترنت، ومبادئ تكافؤ الفرص، والعدالة، والمحاسبة التاريخية، وعدم الإفلات من العقاب، واستقلالية القضاء، والالتزام بالعمل السياسي السلمي، وتمكين المرأة وضمان مشاركتها في أجهزة الدولة، وانتهاج سياسة خارجية متوازنة تقوم على المصالح المشتركة وحسن الجوار، مع مكافحة التطرف والإرهاب العابر للحدود، والالتزام بالاتفاقيات الدولية.
وحدد الميثاق دواعي تشكيل “حكومة الوحدة والسلام” وكان أبرزها إنهاء الحروب وتحقيق السلام الشامل والعادل، وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين، حيث يواجه أكثر من “25” مليون سوداني أزمة غذائية حادة، ونحو “8” ملايين يرزحون تحت مستويات الطوارئ، والحفاظ على وحدة السودان الطوعية، وحماية المدنيين، واستعادة الحقوق الدستورية لجميع المواطنين، وإعادة مسار الحكم المدني الديمقراطي، وإنهاء تعدد الجيوش، وتأسيس جيش جديد، وإصلاح النظام الاقتصادي والمصرفي، واستعادة مكتسبات المرحلة الانتقالية.
وأشار الميثاق والدستور إلى أن حكومة بورتسودان تمثل تهديدًا غير مسبوق للأمن والسلم الدوليين، من خلال المساومة بأمن البحر الأحمر، وابتزاز الدول للحصول على مساعدات عسكرية، وإقحام البلاد في سياسة المحاور الدولية والإقليمية، وإعادة العلاقات مع دول لها مشكلات عسكرية مع دول الجوار، وإعادة نظام الحركة الإسلامية إلى الحكم، والسماح لمنظمات إرهابية بممارسة أنشطتها داخل السودان، وتحويل السودان إلى معبر للهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، مما يهدد الأمن الإقليمي والدولي، وأكد الميثاق أن حكومة الوحدة والسلام ستعمل على ضمان عودة اللاجئين إلى مواطنهم الأصلية بكرامة وأمان في أقرب وقت ممكن.
وبعد التوقيع على ميثاق السودان التأسيسي “تأسيس” والدستور إنخرطت القوى السياسية المنضوية تحت لواء التحالف في إجتماعات مكثفة عبر لجان متخصصة للتوافق على العملية السياسية التي تفضي إلى تشكيل حكومة “الوحدة والسلام” بالعاصمة الكينية نيروبي، وظلت مكونات التحالف تعمل بإنسجام تام، وتوافقت مكونات التحالف على هيكلة التحالف وأوكلت رئاسة التحالف للفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، ونائب رئيس التحالف للقائد عبدالعزيز أدم الحلو، وظل التحالف يعمل عبر لجانه المتخصصة من أجل إنجاز عملية هيكلة وإعلان حكومة الوحدة والسلام.
وفي يوم تاريخي أعلن تحالف السودان التأسيسي “تأسيس” أمس السبت 26 – يوليو – 2025م عن تشكيل مجلس رئاسي من (15) عضوا برئاسة محمد حمدان دقلو “حميدتي” رئيساً للمجلس، وعبدالعزيز أدم الحلو نائبا لرئيس المجلس، وبعضوية كل من “الطاهر أبوبكر حجر عضوا، ومحمد يوسف أحمد المصطفى، وحامد حمدين النويري، وعبدالله ابراهيم عباس، وخلدي فتحي سالم، والدكتور الهادي ادريس يحي، وجقود مكوار مراده ، وجوزيف توكا علي، وصالح عبدالله، ومبروك مبارك سليم ، وبرفيسور الرشيد أحمد، وفارس النور ، وحمد محمد حامد” وأعلن الناطق الرسمي باسم التحالف الدكتور علاء الدين عوض نقد في مؤتمر صحفي عقد بمدينة “نيالا” حاضرة ولاية جنوب دارفور، وعاصمة حكومة “تأسيس” عن تعيبن حكام للاقاليم ايضا علي النحو التالي: ” فارس النور حاكما على الخرطوم، وحمد محمد حامد حاكما لاقليم كردفان، والهادي ادريس حاكما لاقليم دافور، ومبروك سليم حاكما للشرق، وجوزيف توكا حاكما للفونج الجديد، وجقود مكوار حاكما لجبال النوبة، وصالح عيسي حاكما للاقليم الاوسط” وأختار التحالف محمد الحسن التعايشي رئيسا للوزراء.
وبعد أن أصبح الحلم واقعاً يحتم الواقع الموضوعي على تحالف “تأسيس” والهيئة القيادية للتحالف أن تعمل على تسريع عمل اللجان المتخصصة والمعنية بإنجاز هياكل الحكومة المتمثلة في “هيكلة المجلس الرئاسي، والحكومة التنفيذية التي تشمل مجلس الوزراء، وحكومات الأقاليم وحكومات الولايات، والمجلس التشريعي بشقيه الهيئة التشريعية ومجالس الأقاليم والولايات، والسلطة القضائية والنيابة العامة، والمفوضيات والمجالس المتخصصة” ووضع القوانين واللوائح المنظمة لعملها، فضلاً عن تكثيف الإتصال الخارجي لوجود التأييد الدولي والإقليمي الداعم لحكومة الوحدة والسلام، وفي حال إنجاز هذه المهام والإتجاه بشكل فعلي ومن خلال جداول زمنية البدء في إعلان هياكل “حكومة الوحدة والسلام” أن هذا الأمر سيجعل الحكومة أمراً واقعاً يمشي بين الناس في المدن والبوادي والفرقان.
وما بين هذا وذاك، وبعد أن أصبح محمد حسن التعايشي “سادن” التغيير المصادم، القادم من عمق الهامش إلى رحاب الوطن الفسيح: رئيسياً للوزراء، فإن الوجب الأخلاقي يحتم عليه أن يعمل بجد ومثابرة الى تحقيق أجندة وأهداف تحالف “تأسيس” المعلنة في الميثاق السياسي والدستور، والتي تأتي في أولويتها الأهتمام بأجندة جماهير تحالف “تأسيس” والمواطنين بمناطق سيطرة قوات التحالف، الذين يطمحون في عودة الحياة إلى طبيعتها، بجانب أنهم يرغبون أن تقدم لهم الحكومة الجديدة الخدمات الأساسية المتمثلة في : ” التعليم والصحة والمياه والكهرباء والأمن، وتحسين الوضع الإقتصادي” فضلا عن إستخراج الوثائق الثبوتية، وتحييد قصف طيران الجيش لمناطقهم، وتوفير حقوق المواطنة المشروعة والمنصوص عليها في الميثاق السياسي والدستور.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.