في حال تمكن قوات الدعم السريع من السيطرة على مدينة الفاشر فإن الحركات المسلحة التي تقاتل حاليًا في صف الجيش ستجد نفسها أمام معادلة سياسية وعسكرية بالغة التعقيد وستضطر إلى إعادة تقييم خياراتها وفق ظروف جديدة تفرضها الهزيمة وفقدان الأرض. سقوط الفاشر يعني فقدان مركز استراتيجي وخطوط إمداد رئيسية ما سيدفع حركتي مناوي وجبريل إلى الانسحاب التكتيكي نحو مناطق أكثر أمانًا في شمال دارفور كطويلة والطينة وام برو ، وفي حالات أخرى قد تحاول هذه الحركات التوجه إلى ليبيا ولكن بندقية الدعم السريع لها بالمرصاد ولذلك قد تبقى لبعض الوقت في مناطق مثل الطينة وطويلة إلا أن المرجح أن تلجأ إلى إريتريا وتنشئ مواقع ومعسكرات لها وهو ما يعيد تجربة الماضي عندما اتخذت بعض الفصائل من الأراضي الإريترية قاعدة لنشاطها المسلح. وستجد هذه الحركات ذات الطابع المرتزق التي دخلت المعركة بدوافع مادية بحتة فمن المرجح أن تفقد حافزها بعد انقطاع التمويل ما قد يدفعها إلى التفاوض مع الدعم السريع أو الانسحاب من المشهد العسكري كليًا. بعد سقوط الفاشر ستسعى بعض القيادات إلى إعادة صياغة خطابها السياسي لتأمين وجودها في الخارطة الجديدة وقد تعلن بعض الحركات الحياد أو تدخل في مفاوضات مع الدعم السريع مستفيدة من قنوات الاتصال السابقة أو الروابط القبلية بهدف ضمان مخرج آمن أو صفقة تضمن لها نفوذًا في مناطق أخرى كما أن الحركات الموقعة على اتفاق جوبا قد تحاول التبرؤ من التحالف العسكري المباشر مع الجيش لتجنب التصنيف كعدو صريح للدعم السريع أو فقدان مكاسبها السياسية. الهزيمة في الفاشر ستكون ضربة قاسية للسمعة خاصة إذا ارتبط اسم الحركة بالخسائر أو الانتهاكات وقد تفقد هذه الحركات ثقة قواعدها الشعبية بل وربما تواجه انشقاقات داخلية نتيجة الخلاف حول استمرار القتال أو التوجه نحو التسوية وفي بعض الحالات قد تُتهم هذه الحركات بأنها جرت مناطقها إلى حرب بالوكالة وهو ما يضعها في موقف دفاعي سياسيًا واجتماعيًا. السيناريوهات المحتملة أمام هذه الحركات تشمل التحالف مع الدعم السريع خاصة لدى الفصائل البراغماتية أو التي تبحث عن ضمان النفوذ والمكاسب أو الخروج إلى الخارج واستخدام دول الجوار كقواعد مؤقتة لإعادة التنظيم أو الاندماج في مجموعات قبلية مسلحة كخيار للبقاء وحماية الذات خارج الإطار الرسمي للحركة أو الانقسام الداخلي بين أجنحة تؤيد استمرار القتال وأخرى تدفع نحو التفاوض أو الانسحاب.
بالنسبة لحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم فإن خسارة الفاشر ستشكل ضربة كبيرة لخطوط إمدادها وحاضنتها السياسية في شمال دارفور، وقد تجد نفسها مضطرة للانسحاب نحو مناطق حدودية أو اللجوء إلى إريتريا في محاولة للحفاظ على بنيتها العسكرية، مع احتمال أن تدخل في اتصالات غير معلنة مع أطراف إقليمية لتأمين دعم بديل.
أما حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي فهي الأكثر تضررًا من الناحية المعنوية إذ إن الفاشر تمثل مركزًا سياسيًا وإداريًا لنفوذها منذ توقيع اتفاق جوبا، وخسارتها قد تدفعها إلى الانقسام بين جناح ميداني يفضل القتال في مناطق جبل مرة وجناح سياسي قد يسعى للتفاوض أو البحث عن تسوية تحفظ وجود الحركة في المشهد.
أما عن احتمال التحالف أو التصادم بين جبريل ومناوي في هذا السيناريو، فإن العلاقة بين الرجلين معقدة وتحكمها البراغماتية أكثر من الثقة، فكلاهما يدرك أن فقدان الفاشر سيضع حركته أمام خطر التلاشي، ما قد يدفعهما إلى تنسيق مؤقت لمواجهة الدعم السريع أو لتأمين ممرات الانسحاب نحو الشرق، غير أن هذا التحالف – إن حدث – سيكون هشًا وقصير الأمد بسبب التنافس التاريخي بينهما على الزعامة في دارفور وعلى الحصة السياسية في أي تسوية قادمة. وإذا فشل التنسيق، فمن المرجح أن يشهد المشهد تصادمًا مبكرًا بين قوات الطرفين على مناطق النفوذ ومصادر التمويل في الحدود الشرقية أو في معسكرات اللجوء، وهو ما قد يسرّع عملية تفككهما إلى فصائل أصغر.
في البعد الإقليمي فإن لجوء هذه الحركات إلى إريتريا سيخلق وضعًا حساسًا على حدود السودان الشرقية وقد يفتح الباب أمام تدخلات إقليمية جديدة سواء من أطراف داعمة لهذه الفصائل أو من قوى إقليمية معارضة لوجودها هناك كما أن تكرار سيناريو الماضي قد يعيد شبكات التهريب وتجارة السلاح ويؤدي إلى توتر أمني يمتد من شرق السودان حتى القرن الأفريقي وهو ما يجعل هذه الخطوة ليست مجرد خيار للبقاء العسكري بل أيضًا عاملًا مؤثرًا في توازنات الأمن الإقليمي.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.