كيــف تبــني حكومة تأســيس جســور المدنيــة فــي الســودان

أ/سلــــيم مـحمـد عبــداللــه

في لحظة حرجة من تاريخ السودان الحديث، حيث تتصارع القوى التاسيسية مع إرث الانقلابات والإسلاميين، تظهر حكومة تأسيس كقوة إصلاحية حقيقية تسعى إلى بناء جسور المدنية على الأرض، ليس بالكلام أو الشعارات، بل بالعمل الميداني والقرارات العملية. الثورة المجيدة في ديسمبر لم تكن مجرد انتفاضة ضد الاستبداد، بل دعوة لإعادة تأسيس الدولة على أسس مدنية، تحترم حقوق الإنسان، وتحقق العدالة، وتعزز المشاركة المجتمعية في كل مستويات الحكم. وفي هذا السياق، أصبح السؤال الجوهري: كيف يمكن للحكومة تحويل هذه المبادئ إلى واقع ملموس

إرث الانقــلابات والحــاجة للإصــلاح

على مدى عقود، تركت الانقلابات العسكرية والإسلاميون إرثًا من الهياكل المعرقلة والمصالح السياسية المتداخلة، مما أعاق نمو المؤسسات المدنية وأضعف الثقة بين الدولة والمواطن. هذه الحقائق تجعل مهمة حكومة التأسيس أكثر تحديًا، إذ ليس عليها فقط إدارة شؤون الدولة، بل تصحيح مسار مؤسساتها وإعادة بناء الثقة في المدنية.
الإصلاح، بهذا المعنى، لا يقتصر على القوانين أو القرارات الوزارية، بل يمتد إلى كل زاوية من زوايا الحياة اليومية: من الأمن والخدمات العامة، إلى حرية التعبير وحقوق المرأة والشباب، مرورًا بتفعيل العدالة الانتقالية وضمان الشفافية في الإدارة.

الاهتــمام بالمــواطنين والمـــصابين

فــي مدينــة الفاشر، بعد تحريرها من سيطرة الإسلاميين، أولت حكومة التأسيس اهتمامًا خاصًا بمواطني المدينة والمصابين من الحرب. فقد تم توفير المعونات الغذائية والطبية بشكل عاجل، لضمان تأمين الحد الأدنى من احتياجات المدنيين والجرحى، مع الاهتمام بإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية التي دُمّرت أو تعطلت خلال سنوات النزاع

هذا الاهتمام لا يقتصر على المعونات فقط، بل يمتد إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمواطنين الذين عانوا من تبعات الحرب والصراعات، ما يعكس جدية الحكومة في الحرص على كرامة الإنسان وحماية المدنيين كركيزة أساسية للمدنية.

الــفاشر بــعد التـــحرير

الفاشر تمثل نموذجًا حيًا لجهود حكومة التأسيس في إعادة بناء الدولة المدنية من الصفر:

استعادة الأمن والنظام المدني، وإعادة عمل الأجهزة المحلية بشكل فعال.

إشراك السكان في إدارة شؤون المدينة من خلال المجالس المحلية، ما يعزز شعور المواطنين بالمسؤولية والمشاركة.

توجيه الجهود الحكومية نحو تحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء والصحة، ما يعكس التزام الحكومة بتحقيق حياة كريمة للمدنيين.

من خلال هذه الإجراءات، يتضح أن الإصلاح على الأرض ممكن ويثمر، وأن الخطوات العملية تعكس جدية الحكومة في تعزيز المدنية وحماية حقوق المواطنين بعد سنوات من الظلم والانقلابات.

الحــفاظ علــى الحريــات المــدنية وإرث الثـــورة

الحكومة، إلى جانب توفير الدعم للمواطنين، تعمل على حماية الحريات المدنية التي شكلت أساس الثورة المجيدة:

حرية التعبير والمشاركة السياسية

حقوق المرأة والشباب في جميع مستويات القرار.

العدالة والمساواة أمام القانون، لضمان عدم تكرار الانتهاكات السابقة.

إن الاهتمام بالجانب الإنساني، من خلال المعونات ودعم الجرحى، جنبًا إلى جنب مع تعزيز الحقوق المدنية، يجعل المدنية أكثر وضوحًا وواقعية، وليس مجرد شعار سياسي.الإصلاح على الأرض في السودان ليس خيارًا، بل ضرورة تاريخية للحفاظ على مكتسبات الثورة المجيدة. حكومة التأسيس، عبر اهتمامها بالمواطنين، وتوفير الدعم الغذائي والطبي للجرحى، وإعادة بناء المؤسسات، ترسم الطريق نحو دولة مدنية عادلة ومستقرة. المدنية الحقيقية تعني: سيادة القانون، احترام الحريات الفردية والجماعية، ومشاركة المواطنين في صنع القرار، مع حماية من تبقى متضررًا من آثار النزاعات السابقة

المستقبل المدني للسودان يعتمد على الاستمرار في الإصلاح العملي على الأرض، والجدية في تحويل المبادئ إلى واقع ملموس، ليعيش المواطن بحرية وكرامة ويستعيد الوطن مكانته الطبيعية بين الدول المدنية الحرة

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.