سكان “الكنابي” في السودان .. إنتهاكات ممنهجة وتهجير قسري ( 2 – 2)

تحقيق - عبدالرحمن العاجب

تعرضوا للتهميش والتطهير العرقي والإبادة الجماعية..

سكان “الكنابي” في السودان .. إنتهاكات ممنهجة وتهجير قسري

لعقود من الزمان ظل نقص المياه النظيفة والصحة والتعليم والكهرباء وجميع الخدمات الأساسية سمة ملازمة لحياتهم، إنهم سكان “الكنابي” الذين يشكون تهميشاً تاريخياً، باتوا اليوم يُواجهون تهجيراً ممنهجاً وعمليات قتل تطال العشرات من الأبرياء بعد استعادة الجيش السوداني مدينة ودمدني حاضرة ولاية الجزيرة في يناير الماضي، تتواصل هذه الانتهاكات ضد هذه المجموعة السكانية المنحدرة من غرب البلاد، مع تقدم الجيش والمليشيات المتحالفة معه في مناطق ولاية الجزيرة، وبعد سيطرة الجيش والمليشيات المتحالفة معه على ولاية الجزيرة، أصبح يواجه سكان “الكنابي” كارثة إنسانية نتيجة الاستهداف العرقي والتهجير، إذ وثّق ناشطون جرائم قتل وذبح وحرق لمواطنين ومساكنهم، وإعتقال وتعذيب، إضافة إلى التهجير ونهب الممتلكات. هذا المشهد رسمه عدد من سكان “الكنابي” الذين تحدثوا لصحيفة “فجر برس”، علاوة على توثيق للإنتهاكات، وحصرت مركزية مؤتمر الكنابي عدد “2195” كمبو، بخلاف الامتداد الغربي في أبوقوتة وتمبول بشرق الجزيرة، ووصفت ما جرى لسكان الكنابي بأنه “تطهير عرقي وتهجير قسري” وأكدت حرق عدد “160” كمبو في ولاية الجزيرة، وتهجير سكانها بالكامل، وقدرت الأضرار المادية لسكان “الكنابي” بترليونات الجنهيات، ونهب أكثر من (5000) ألف رأس من الماشية.

الأمين العام لمؤتمر الكنابي، الدكتور جعفر محمدين يؤكد مقتل (1200) مواطن من سكان “الكنابي” على يد الجيش والمليشيات المتحالفة معه، ويشير إلى أن هنالك مفقودين من سكان “الكنابي” لم يُعرف مصيرهم حتى الآن، ويؤكد إستمرار الإنتهاكات ما يجعل اعداد القتلى في تزايد.

جرائم ضد الانسانية:

عُرف التطهير العرقي ‏ بأنَّه الإزالة الممنهجة القسرية لمجموعات إثنية أو عِرقية من منطقة معينة، وذلك مِن قبل مجموعة عرقية أخرى أقوى منها، غالباً بنيّة جعل المنطقة متجانسة عرقياً، وتتنوع أساليب القوى المُطبقة لتحقيق ذلك، كأشكال التهجير القسري، والترهيب، بالإضافة إلى الإبادة الجماعية والاغتصاب الإبادي، فيما تعرف الإبادة الجماعية بأنها التدمير المتعمد والمنهجي لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم أو أصلهم، وتمت صياغة هذا المصطلح في الاربعينيات من القرن العشرين بواسطة المحامي البولندي “المولد رافئيل ليمكن”.

جرائم دولية وجرائم حرب:

وفي سياق حديثه عن القضية قال الخبير القانوني وكبير مستشاري وزير العدل في الحكومة الانتقالية محمد النعمان: “تشكل الانتهاكات واسعة النطاق التي تم ارتكابها ضد سكان الكنابي جرائم دولية، حيث أن القانون الدولي يضفي على سكان الكنابي الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية بشكل مباشر حماية كاملة عبر المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩ والبروتوكول الثاني الملحق بهذه الاتفاقيات” كما يجرّم ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية ويعاقب على مثل تلك الجرائم، وأضاف النعمان قائلاً :” لقد أفادت التقارير بأن تدميراً واسعاً للممتلكات داخل الكنابي قد وقع، وأن جرائم قتل قد تم اقترافها ضد مدنيين لا يحملون سلاحا. هذا بالإضافة لأفعال أخرى تحط من الكرامة الإنسانية وتنتهك حقوق الإنسان. وقد تم ارتكاب جميع هذه الانتهاكات ضمن ما يبدو أنه خطة مرسومة وسياسة متفق عليها. لذلك فإن تصنيف وتكييف هذه الأفعال قانونا يعتمد على تمحيص الوقائع التفصيلية بدقة كافية، وتحديد القصد من ارتكاب تلك الانتهاكات على نحو يتجاوز الشك، بالإضافة لتحديد وضبط صفة مرتكبيها لمعرفة إذا ما كانوا تابعين لأجهزة الدولة الرسمية بشكل مباشر أو إن كان تصرفهم الإجرامي قد وقع بناءً على علاقة وظيفية تربطهم بالسلطة الرسمية”.

الخبير في القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، وأمين الشؤون العدلية والقانونية لمركزية الكنابي أبوبكر سليمان، يؤكد ان الانتهاكات التي تعرض سكان “الكنابي” ترتقي الى جريمة الإبادة الجماعية.

وأكد النعمان إن القصد الجنائي الذي يقف وراء الانتهاكات التي وقعت ضد سكان الكنابي هو الذي يتحكم في تكييفها وفق القانون الدولي. فجريمة الإبادة الجماعية تشترط وجود قصد جنائي لإهلاك وإفناء جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها تلك وليس لأسباب أخرى، إهلاكا كليا أو جزئيا. فهل تم استهداف سكان الكنابي لتحقيق هذا الهدف أم أن الخطة والسياسات التي تم تنفيذها على نطاق واسع كان الهدف منها هو التهجير والترحيل القسري لمجموعة سكانية محددة إما بغرض الاستيلاء على الأرض والممتلكات الخاصة أو بسبب التمييز الاجتماعي والثقافي ضدهم؟ الإجابة على هذا السؤال هي المحدد الحاسم في تكييف الجريمة وتسميتها.

وبالنسبة للنعمان فإن الانتهاكات الواسعة التي وقعت ضد سكان الكنابي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية، وقد تشكل أيضا جرائم حرب في بعض الأحوال. إن اضطهاد جماعة سكانية محددة لأسباب عرقية أو إثنية أو ثقافية، وقتل أفرادها عمدا، أو إبعادهم قسرا من مواقع سكنهم المعتاد يمثل جريمة ضد الإنسانية متى ما توفر في ذلك شرطا الهجوم واسع النطاق والتنفيذ الإجرامي الممنهج وطالما كان هؤلاء الضحايا مدنيين لا يشاركون في الأعمال العسكرية بشكل مباشر، وأضاف النعمان قائلا : “يجب أن نلاحظ هنا بأن مشاركة أفراد أو مجموعات تنتمى لأي جماعة سكانية، اجتماعيا أو ثقافيا أو إثنيا أو دينيا، في أي أعمال عسكرية لا تسقط الحماية التي يسبغها القانون الدولي على بقية الجماعة السكانية ممن لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العسكرية. فهؤلاء يظلون مدنيين يتمتعون بحصانة تامة ضد انتهاك حقوقهم الإنسانية”.

جريمة الإبادة الجماعية:

وفي ذات المنحى أكد الخبير في القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، وأمين الشؤون العدلية والقانونية لمركزية الكنابي أبوبكر سليمان، أكد ان الانتهاكات التي تعرض سكان الكنابي ترتقي الجريمة الإبادة الجماعية، وأوضح أبو بكر سليمان في حديثه لصحيفة “فجر برس” انه اطلع على ما ورد من تقارير وشهادات ووثائق بشأن الانتهاكات المرتكبة بحق سكان الكنابي في السودان، وبالنسبة له ان الرأي القانوني يتمثل في الآتي:الإطار القانوني: تنص المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 على أن الإبادة الجماعية تعني ارتكاب أي من الأفعال التالية بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، وتشمل: ” أ – قتل أعضاء الجماعة، ب – إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأعضائها، ج – إخضاعها عمدًا لظروف معيشية يراد بها تدميرها كليًا أو جزئيًا، د – فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل الجماعة، هـ – نقل الأطفال قسرًا من الجماعة إلى جماعة أخرى”.

ويرى أبوبكر أن الوقائع الثابتة في حالة سكان الكنابي تتمثل في: (أعمال قتل ممنهجة استهدفت المدنيين العُزَّل من سكان الكنابي، على أساس انتمائهم الإثني والعراقي. التهجير القسري والتجويع والحرق الواسع لمساكنهم وحقولهم، وهي ظروف معيشية تؤدي إلى التدمير التدريجي للجماعة. خطاب كراهية وتحريض عنصري متواصل يصور سكان الكنابي كغرباء أو “أدنى منزلة”، مما يثبت البعد العنصري في الجريمة. استهداف النساء والأطفال بحرمانهم من التعليم والرعاية الصحية، الأمر الذي يرقى إلى حرمان جماعي من الحق في البقاء والتنمية”.

وأفاد الخبير القاانوني بأن التوصيف القانوني لهذه الجرائم يتمثل في أن: “هذه الأفعال لا تقتصر على كونها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو جرائم ضد الإنسانية فحسب، بل تستوفي معايير الإبادة الجماعية المنصوص عليها في اتفاقية 1948، وذلك لتوافر: الركن المادي: أفعال القتل، التهجير، التدمير المنهجي لموارد الحياة” والركن المعنوي (النية الخاصة): الدافع العنصري المعلن لتصفية سكان الكنابي أو إقصائهم من الوجود الاجتماعي والجغرافي، وأكد أبوبكر أنه بناءً على ما سبق، فإن الانتهاكات المرتكبة بحق سكان الكنابي ترتقي إلى جريمة إبادة جماعية بالمعنى القانوني الدولي. وتقع على عاتق المجتمع الدولي، وفقًا للمادة الأولى من اتفاقية 1948، مسؤولية قانونية وأخلاقية لمنع استمرار هذه الجريمة ومحاسبة مرتكبيها أمام المحاكم الوطنية أو المحكمة الجنائية الدولية.

مدير منظمة مناصرة ضحايا دارفور أدم موسى أوباما: الاستهداف المنهجي لسكان “الكنابي” بناءً على هويتهم العرقية، ولا سيما من خلال القتل الجماعي، والتهجير القسري، والتعذيب، يتوافق مع التعريف القانوني للإبادة الجماعية.

قتل جماعي ومصيرمجهول:

وفي السياق أحصت مركزية مؤتمر الكنابي بالسودان، مقتل (1200) مواطن على يد المليشيات المتحالفة مع الجيش السوداني في ولاية الجزيرة وسط البلاد، في وقت يواجه فيه الآف المواطنين من سكان “الكنابي” مصيرا مجهولاً بعد حرق مساكنهم وتهجيرهم قسرياً إلى الولايات المجاورة، وشملت الانتهاكات ضد سكان الكنابي القتل والنهب والتهجير القسري بعد حرق منازلهم، وفق الأمين العام لمؤتمر مركزية الكنابي، الدكتور جعفر محمدين، وأكد محمدين في تصريح لـ(فجر برس) مقتل (1200) مواطن من سكان الكنابي، على يد مسلحين متحالفين مع الجيش السوداني، منها قوات درع السودان والعمل الخاص وكتيبة الزبير بن العوام، تحت اشراف القوات المسلحة السودانية، وأشار إلى أن هنالك مفقودين من سكان الكنابي لم يُعرف مصريهم حتى الآن، كما أن الانتهاكات لا زالت مستمرة ما يجعل اعداد القتلى في تزايد، وفق قوله.

ووصف محمدين ما جرى لسكان الكنابي بأنه “تطهيرا عرقيا وتهجير قسري” مؤكداً حصر عدد “160” كمبو في ولاية الجزيرة تم حرقها وتهجير سكانها بالكامل، وأشار محمدين إلى أن معظم سكان الكنابي المهجرين فروا الى مُدن وقرى “الفاو والقضارف وسنار وكوستي” وبعض منهم الى مدينة الانقاذ شرق ودمدني وآخرين الى المناقل وشمال الجزيرة، وأكد الأمين العام لمؤتمر الكنابي أن الأضرار المادية التي لحقت بسكان الكنابي كبيرة جداً وتقدر بترليونات الجنهيات، وفق قوله، مشيراً إلى أن هنالك نهب مستمر للماشية في مناطق الكنابي من أبقار وماعز، ويقدر ما نُهب بحوالي (5000) ألف رأس من الماشية، وتابع قائلاً: “يواجه الفارون من الكنابي مستقبل مجهول وللأسف لا زالت المطاردة مستمرة حتى في أماكن النزوح الجديدة وفق ما يعرف بـ”قانون الوجوه الغريبة”.

ودعا محمدين أبناء الكنابي في القوات النظامية المختلفة، إلى حماية أهاليهم من خلال إقامة ارتكازات باسم القوات التي يتبعون لها لحماية السكان من الهجمات التي يتعرضون لها، وأشار إلى أن مركزية مؤتمر الكنابي اطلقت نداءًا عاجلًا لكل المنظمات الدولية والإقليمية للضغط على قيادة الجيش لوقف الانتهاكات التي يتعرض لها سكان وقوميات الكنابي حيث يتم استهدافهم على أساس عنصري، مبينا أن ما يحدث شبيه بما حدث في دولة رواندا في وقت سابق، وأوضح محمدين أن عدد سكان الكنابي بولاية الجزيرة يبلغ نحو (2) مليون نسمة، مبينا أن مركزية المؤتمر حصرت عدد (2195) كمبو، بخلاف الامتداد الغربي في أبوقوتة وتمبول بشرق الجزيرة.

الجيش يرفض الرد على الإتهامات:

ولتحقيق مبدأ المهنية المتمثلة في الشفافية والتوازن والموضوعية، وإستعراض الرأي الأخر تواصل محرر “فجر برس” مع الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة العميد نبيل عبدالله عبر تطبيق واتساب في هاتفه، وطلب منه الرد على أسئلة التحقيق الصحفي، والاجابة على سؤال الاتهامات التي تلاحق الجيش السوداني بإرتكاب إنتهاكات جسيمة ضد سكان “الكنابي” في ولاية الجزيرة بوسط السودان، إضافة للإنتهاكات التي قامت بها قوات درع السودان بقيادة أبوعاقلة كيكل والمليشيات الأخرى المتحالفة مع الجيش ضد سكان “الكنابي” إضافة إلى السؤال عن نتائج لجنة التحقيق التي شكلها البرهان إبان أحداث كمبو “طيبة” غير أن الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة العميد نبيل عبدالله رفض الإجابة على أسئلة التحقيق والاتهامات التي تلاحق الجيش السوداني والمليشيات المتحالفة معه.

وكان الفريق أول عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، ورئيس مجلس السيادة، أصدر في 15 – فبراير الماضي قراراً بتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث التي وقعت بكمبو طيبة بولاية الجزيرة، برئاسة ياسر بشير البخاري مساعد أول النائب العام وعضوية آخرين، وجاء تشكيل اللجنة بعد نشر مقاطع فيديو تُظهر عناصر بزي الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه وهي تنفذ عمليات اعدام وتعذيب واعتقالات لمئات الأشخاص في مدينة ودمدني والقرى التابعة لها، بذريعة التعاون مع قوات الدعم السريع.

استهداف سكان “الكنابي” في السودان يمثل تجسيد للتهميش والانتهاك المنهجي الذي ظلت تتعرض له هذه المجتمعات على مدار العقود الماضية، إضافة إلى تعمد أجهزة الدولة الرسمية ومع سبق الإصرار والترصد لحرمان هذه المجمتعات من حق المواطنة وحقوق الإنسان الأساسية.

المطالبة بلجنة تحقيق دولية:

وفي المقابل قلل الدكتور جعفر محمدين الأمين العام لمؤتمر الكنابي من جدوى لجنة التحقيق التي كان قد شكلها قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حول أحداث كمبو طيبة بالجزيرة، قائلاً: “لا يمكن أن تكون أنت الحكم والجلاد، للأسف هؤلاء هم من ارتكبوا الجرائم في كمبو طيبة” وتابع قائلاً : أين نتائج اللجنة؟ التي كان يفترض أن تنهي عملها في أسبوع وفق القرار، الآن مضى أكثر من ستة أشهر، في وقت كل العالم عرف من هم الذين ارتكبوا المجازر والانتهاكات الخطيرة والتهجير القسري في كمبو طيبة وكمبو دارالسلام الحديبة، وأكد محمدين مطالبة مركزية مؤتمر الكنابي بلجنة دولية لتقصي الحقائق من أجل انصاف المظلومين، وأضاف قائلاً: “بيننا وبينهم المحاكم الدولية والإقليمية”.

إنتهاكات درع السودان:

وفي 25 – فبراير الماضي قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير إن قوات “درع السودان” التي يقودها “أبوعاقلة كيكل”، تعمّدت استهداف المدنيين في هجوم شنته يوم 10 – يناير 2025، على قرية “كمبو طيبة” بولاية الجزيرة أسفر عن مقتل “26” مواطن على الأقل، بينهم طفل، وجرح آخرين. كما نهبت الممتلكات المدنية بشكل منهجي، بما يشمل المؤن الغذائية، وأحرقت المنازل، فضلا عن جرائم قتل أخرى في مدينة ودمدني التي دخلها الجيش في يناير الماضي، ونوه التقرير إلى أن هذه الأفعال تشكل جرائم حرب، وبعضها، مثل قتل المدنيين عمدا، قد يشكّل أيضا جرائم محتملة ضد الإنسانية، وأضاف التقرير أنه “بموجب مبدأ مسؤولية القيادة، قد يكون القادة العسكريون مسؤولين عن جرائم الحرب التي يرتكبها أفراد تابعون للقوات المسلحة، أو مقاتلون آخرون خاضعون لسيطرتهم”.
قوات درع السودان تنفي:

وفي الضفة الأخرى ولتحقيق مبدأ المهنية المتمثلة في الشفافية والتوازن والموضوعية، وإستعراض الرأي الأخر تواصل محرر “فجر برس” مع مدير الإعلام والناطق الرسمي بإسم قوات درع السودان الرائد إبراهيم الجابرابي عبر تطبيق واتساب في هاتفه، وطلب منه الرد على أسئلة التحقيق الصحفي، والاجابة على سؤال الاتهامات التي تلاحق قوات درع السودان بإرتكاب إنتهاكات جسيمة ضد سكان “الكنابي” في ولاية الجزيرة بوسط السودان، وشكر الجابرابي محرر الصحيفة على التواصل مع إدارة الإعلام بقوات درع السودان، وأكد على تعاونة مع الصحافة والإعلام، وأوضح أن ادارتهم سبق وان أصدرت نفياً لهذا الاتهام الذي لا أساس له من الصحة، وقال أن هذا الاتهام تقف خلفة جهات حليفة للمليشيا المتمردة وهدفها خلق فتنة بين قوات درع السودان ومجتمعات الكنابي.

وقالت قوات درع السودان في تعميم صحفي في 14 – يناير – 2025م أن قضية الكنابي في ولاية الجزيرة تم استغلالها من ضعاف النفوس والغرف الإعلامية للمليشيا بغرض ضرب النسيج الاجتماعي في ولاية الجزيرة وصنع فجوة بين مكونات المنطقة، وأكدت أن الكنابي منذ قديم الزمان ظلت جزءا أصيلا من تكوين المجتمع في الولاية، وأدانت قوات درع السودان بشدة الانتهاكات التي صاحبت دخول الجيش والقوات المساندة له لولاية الجزيرة، وأشادت ببيان القوات المسلحة السودانية الواعد بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم، وناشدت الجهات العدلية والشرطية في المدن التي تم تحريرها بإنفاذ القانون بحزم وحماية كافة المواطنين ومحاكمة المجرمين، وقالت قوات درع السودان أنها طالعت بيان منسوب لحزب الأمة القومي ينسب إلى قواتهم جرائم بحق مواطنين في كمبو طيبة، وأكدت أن هذا اتهام عارٍ من الصحة ولا علاقة لهم بهذه الجرائم، وأن قوات درع السودان، تلتزم بالقانون الدولي والإنساني وأخلاقيات الحرب.

وفي 25 – فبراير- 2025 أكد المكتب الإعلامي لقوات درع السودان في بيان صادر عنه أن إدعاءات منظمة “هيومن رايتس ووتش” بشأن أحداث “كمبو طيبة” بمحلية أم القرى بولاية الجزيرة ادعاءات باطلة، موضحاً أن هذه الادعاءات لا تستند إلى أي أدلة موثوقة، بل تأتي في سياق حملة تضليل ممنهجة تسعى إلى تشويه الدور الكبير الذي تقوم به قوات درع السودان في الدفاع عن الوطن، وحماية المدنيين، وتحرير ولاية الجزيرة من قوات الدعم السريع، ووصف البيان تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأنه جاء متحاملا ويفتقر للمعايير القانونية، ومتجاوزاً لاجراءات التحري الميداني البسيطة، ومعتمداً بالكامل على الاحاديث المرسلة التي ظلت ترددها منصات ذات غرض تتبع لجهات سياسية معلومة بالنسبة لنا، وأكدت قوات درع السودان ترحيبها بأي تحقيق محايد وشفاف من كافة الجهات الحقوقية المستقلة، ويذكر أن أبو عاقلة كيكل شكل قوات درع السودان في العام 2022، وجنّد عناصرها بشكل أساسي من المجتمعات العربية في ولاية الجزيرة، وقاتلت المجموعة إلى جانب الجيش السوداني من أبريل 2023 إلى أغسطس 2023، لكنها انشقّت بعد ذلك وانضمت إلى قوات الدعم السريع، ثم عادت مرة أخرى وانضمت إلى الجيش في أكتوبر 2024م.

الانتهاكات التي ارتكبها الجيش السوداني والمليشيات المتالحفة معه، ليست حوادث معزولة، بل هي إنتهاكات ممنهجة ومنظمة ومقصودة كان الهدف منها التهجير القسري لسكان “الكنابي”..

إنتهاكات حقوق الإنسان:

وفي سياق حديثه لصحيفة “فجر برس” عن انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان التي تعرض لها سكان “الكنابي” أكد مدير منظمة مناصرة ضحايا دارفور والمدافع عن حقوق الإنسان أدم موسى أوباما أن الفظائع التي ارتُكبت ضد سكان “الكنابي” تمثل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ولها تداعيات بعيدة المدى على المعايير الإنسانية، وقطع أوباما بأن هذه الأعمال العنيفة تشكل خرقًا للعديد من الأطر القانونية الدولية والإقليمية التي صممت لحماية الفئات الضعيفة، وأكد أوباما أن هذه الجرائم تمثل إنتهاك للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف، واتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، مشيراً إلى أن الجرائم التي ارتُكبت ضد سكان “الكنابي” تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني.

وبالنسبة لأوباما فأن الجرائم التي قام بها الجيش والمليشيات المتحالفة معه تنتهك عدة أطر قانونية، أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1948، معيارًا مشتركًا لحماية حقوق الإنسان على مستوى العالم، وبحسب أوباما فإن هذا الإعلان يحدد الحقوق الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة والحرية والأمان، ويُحظر المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وأكد أوباما إن عمليات القتل الجماعي والاعتقالات التعسفية لسكان “الكنابي” تشكل انتهاكًا لهذه الحماية الأساسية، كما أن المعاملة اللاإنسانية، والتعذيب، والاضطهاد العرقي يُخالف المادة “5 ” التي تحظر المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

إتفاقيات “جنيف” ومنع الإبادة:

وأشار أوباما إلى اتفاقيات “جنيف” ووصفها بأنها تمثل سلسلة من المعاهدات المصممة لحماية الأفراد الذين لا يشاركون في النزاعات المسلحة، مثل المدنيين وأسرى الحرب، وأوضح أن هذه الإتفاقيات تنص على معاملة جميع الأشخاص معاملة إنسانية أثناء النزاعات، وتحظر الاعتداء على غير المقاتلين، مؤكداً إن الاستهداف المتعمد للمدنيين، وتدمير المنازل، والإعدامات الجماعية من قبل الجناة تُخالف اتفاقيات جنيف، التي تشترط حماية غير المقاتلين والسكان المدنيين، مؤكداً أن تدمير سبل العيش، مثل حرق المزارع وإغراق المدنيين، يشكل انتهاكًا إضافيًا للقانون الدولي الإنساني، وتحدث أوباما عن اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية التي إعتمدتها الأمم المتحدة في عام 1948م والتي تعرف الإبادة الجماعية على أنها أياً من الأفعال، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، وأكد أوباما إن الاستهداف المنهجي لسكان الكنابي بناءً على هويتهم العرقية، ولا سيما من خلال القتل الجماعي، والتهجير القسري، والتعذيب، يتوافق مع التعريف القانوني للإبادة الجماعية، وقطع أوباما بأن هذه الأعمال تشكل خرقًا واضحًا لهذه الاتفاقية، إذ تظهر نية تدمير مجموعة عرقية.

العهد الدولي والميثاق الأفريقي:

وأكد مدير منظمة مناصرة ضحايا دارفور والمدافع عن حقوق الإنسان أدم موسى أوباما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية( (ICCPR الذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1966م يضمن الحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك الحق في الحياة، والحماية من التعذيب، والحق في محاكمة عادلة، وأوضح أوباما في حديثه لصحيفة “فجر برس” أن هذا العهد يضمن حقوق الأفراد في الحرية الشخصية والأمان، مشيراً إلى إن حالات الاختفاء القسري، والقتل خارج نطاق القضاء، والاعتقالات التعسفية التي تعرض لها أفراد من سكان “الكنابي” تنتهك هذا العهد، وبشكل خاص المادتين 6 (الحق في الحياة) و7 (حظر المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة) مؤكداً أن هذه الأفعال تقوض مبادئ العدالة والإجراءات القانونية الواجبة، وأشار أوباما إلى الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والذي تم إعتماده في عام 1981 كأداة إقليمية تهدف إلى ضمان حماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء القارة الأفريقية، ونبه إلى أن الميثاق يعزز الحق في الكرامة، والحياة، والحرية، ويمنع التمييز، مؤكداً إن الانتهاكات التي تعرض لها سكان “الكنابي” تمثل خرقًا للعديد من أحكام الميثاق، بما في ذلك الحق في الحياة، والحرية، والحماية من التمييز، كما أن تقاعس الحكومة السودانية عن منع ومعالجة هذه الانتهاكات يُعد خرقًا لالتزاماتها بموجب القانون الإقليمي لحقوق الإنسان.

قضية سكان “الكنابي” تجاوزت الإطار المحلي والقومي إلى أضابير المؤسسات الدولية، وهذا يؤكد أن هناك حاجة مُلحة وضرورية لتدخل دولي عاجل لمحاسبة الجناة على أفعالهم، وتنفيذ سياسات تضمن حماية مجتمعات “الكنابي” ومعالجة الفظائع المُرتكبة والعمل من أجل استعادة كرامة وحقوق مجتمعات “الكنابي”.

نتائج وخلاصات:

وتوصل التحقيق إلى نتائج وخلاصات تمثلت في الأتي: “إن استهداف سكان “الكنابي” في السودان يمثل تجسيد للتهميش والانتهاك المنهجي الذي ظلت تتعرض له هذه المجتمعات على مدار العقود الماضية، إضافة إلى تعمد أجهزة الدولة الرسمية ومع سبق الإصرار والترصد من حرمان هذه المجمتعات من حق المواطنة وحقوق الإنسان الأساسية” وتحصل التحقيق إلى حقيقة مفادها إن الانتهاكات التي ارتكبها الجيش السوداني والمليشيات المتالحفة معه، ليست حوادث معزولة، بل هي إنتهاكات ممنهجة ومنظمة ومقصودة كان الهدف منها التهجير القسري لسكان “الكنابي”.

وتشير الطبيعة المنهجية لهذه الهجمات والإنتهاكات إلى العنف المؤسسي الذي تم تطبيعه مع مرور الوقت، مما يزيد من تفاقم أوجه عدم المساواة المتجذرة في المجتمع السوداني، وتحقيق العدالة الإجتماعية، فضلاً عن إنكار المواطنة والهوية القانونية، وعدم تقديم الخدمات الأساسية لسكان “الكنابي” وحرمانهم منها لعقود من الزمان، بجانب غياب الحماية القانونية لهم، وعدم الاعتراف بهم كمواطنين سودانيين، ويبدو واضحاً أن قضية سكان “الكنابي” تجاوزت الإطار المحلي والقومي إلى أضابير المؤسسات الدولية، وهذا يؤكد أن هناك حاجة مُلحة وضرورية لتدخل دولي عاجل لمحاسبة الجناة على أفعالهم، وتنفيذ سياسات تضمن حماية مجتمعات “الكنابي” بحسب مطالبات عدد كبير من الناشطين وقيادات مجتمع الكنابي، والذين ظلوا ولفترة طويلة يطالبون وبشكل متكرر منظمات حقوق الإنسان، والهيئات الدولية، والحكومات أن تتكاتف لمعالجة الفظائع المُرتكبة والعمل من أجل استعادة كرامة وحقوق مجتمعات “الكنابي”.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.