اجرى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مؤخراً ، تغييرات كبيرة في الجيش وجهاز المخابرات العامة، شملت إحالة 150 ضابط للتقاعد من بينهم تابعين لتنظيم الإخوان المسلمين المعرف بـ”الحركة الإسلامية” في السودان ، واثارت هذه الخطوات جدلاً واسعاً ، لجهة توقيتها ومغزاها الغامض ، حيث يواجه الجيش تحديات عدة تتمثل في نقص عدد المقاتلين الامر الذي اضطره إلي اعلان الاستنفار الشعبي في قتاله مع الدعم السريع ، فضلاً عن قتل واسر عدد من الضباط والجنود في هذه الحرب.
مراقبون: خطوات البرهان تكتيكية يريد أن يظهر بها في موقع القوة ، بالرغم من حالة الانهيار والتفكك الواضحة بالجيش..
ويري مراقبون أن خطوات البرهان تكتيكية يريد أن يظهر بها في موقع القوة ، بالرغم من حالة الانهيار والتفكك الواضحة بالجيش ، فضلاً عن سلسلة الهزائم التي لحقت به وسقوط مقرات الفرق و الوحدات العسكرية بيد الدعم السريع ، كلها احدثت اختلالات بائنة في الجيش.
فيما رأي آخرون إن قرارات البرهان بشان الجيش وجهاز المخابرات القابض استجابة لضغوط دوليه لإبعاد الإسلاميين من السيطرة على مفاصل وقرارات القوات الأمنية ، توطئه للدخول الى التفاوض لانهاء الصراع مع قوات الدعم السريع .
و تعزو مصادر دبلوماسية ما قام به قائد الجيش إلي الدور المصري الذي بدأ في لعب دور مباشر في عملية إعادة تشكيل البنية القيادية للمؤسسة العسكرية السودانية، في إطار تحركات إقليمية تهدف إلى تعزيز الاستقرار في السودان عبر دعم أطراف تراها أكثر قدرة على مواجهة التحديات الأمنية.
لكن هذه الفرضيات لا يوجد دلائل تدعمها وان كانت تبدو أكثر إلي الواقعية بالنظر إلى دور مصري المكشوف في دعم الجيش وخشيتها في ذات الوقت من عودة الإسلاميين الذين قضت عليهم بالكامل عقب فض اعتصام رابعة ومن ثم التنكيل بهم و خطر انشتطتهم.
أماني الطويل: خطوة البرهان الأخيرة بإحالة نحو 150 ضابطاً للتقاعد وإعادة تشكيل بعض مواقع القيادة، تطرح تساؤلات جوهرية حول دلالات هذه الخطوة في سياق الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين..
وتقول الكاتبة والباحثة المتخصصة في الشؤون الإفريقية، أماني الطويل، إن خطوة الفريق أول عبدالفتاح البرهان الأخيرة بإحالة نحو 150 ضابطاً في الجيش السوداني إلى التقاعد وإعادة تشكيل بعض مواقع القيادة، تطرح تساؤلات جوهرية حول دلالات هذه الخطوة في سياق الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، وحول ارتباطها بالتحركات الدبلوماسية في أوروبا، بخاصة اللقاءات غير المعلنة في سويسرا، وما إذا كانت هذه القرارات جزءاً من عملية تفاوضية أم مجرد إعادة ترتيب لمسرح الحرب.
وتضيف الطويل “من منظورنا يمكن تحديد عدة نقاط أساسية تساعد في فهم أبعاد هذه الخطوة، إذ جاء قرار إحالة ضباط إلى التقاعد، وقرار توحيد سلسلة القيادة والسيطرة العسكرية لتشمل حلفاء الجيش، بعد أيام قليلة من لقاء البرهان مع المبعوث الأميركي الخاص لأفريقيا في سويسرا. وهذا التزامن ليس صدفة، بل يعكس محاولة لعرض صورة الجيش السوداني بمظهر أكثر تماسكاً وقدرة على الالتزام بأي تفاهمات قد تنبثق من الحوار مع القوى الدولية، خصوصاً في مسألة وقف إطلاق النار
وأشارت اماني الطويل ، ملف إعادة هيكلة الجيش يُعد من البنود الأساسية في خارطة الطريق المقترحة، معتبرة أن هذه الخطوة تمثل محاولة من البرهان لتقليص نفوذ التيار الإسلامي داخل المؤسسة العسكرية. لكنها شددت على أن استبعاد الإسلاميين بشكل كامل من المشهد السياسي والعسكري غير ممكن، مشيرة إلى أن ما جرى حتى الآن هو التعامل مع أحد أجنحة هذا التيار بهدف تحييد الآخر.
محلل السياسي: ما لفت إنتباهي في التعليقات على قرارات البرهان الأخيرة هو كيف يتم إستغلالها من قبل مختلف الأطراف لتخدم روايات مضللة
فيما يقول المحلل السياسي “متوكل عثمان سلامات” إن ما لفت إنتباهي في التعليقات على قرارات البرهان الأخيرة هو كيف يتم إستغلالها من قبل مختلف الأطراف لتخدم روايات مضللة. فمن يصفها بأنها ضربة للإسلاميين يتجاهل حقيقة أساسية، وهي أن البنية المؤسسية للجيش السوداني تشكلت على مدى عقود تحت سيطرة التيار الإسلاموعروبي، ولا يمكن تغيير هذه الحقيقة بقرارات فردية لترقية أو إحالة بعض الضباط للتقاعد، خاصة إذا كانت هذه القرارات تقنن لمزيد من الإسلاميين المتطرفين داخل القوات المسلحة بمسمى (القوات المساندة)، (وليس هناك ما يمنع هؤلاء الضباط المعاشيين من العودة للقوات المسلحة من بوابة القوات المساندة؟)، او خلط الأوراق بحماية هذه المليشيات الإرهابية بمظلة القوات المسلحة حتى لا تتساقط عليها العقوبات الدولية.
ويضيف عثمان سلامات “كما أن الربط التلقائي بين هذه القرارات واللقاءات الدولية أو المواقف الإقليمية يفتقر إلى الحجة والدليل ويعكس نظرة إختزالية لتعقيدات المشهد السوداني. فالعملية السياسية والعسكرية في السودان لها ديناميكياتها الداخلية التي لا يمكن تفسيرها فقط من خلال تأثيرات خارجية غير معلنة.
و يقول المحلل السياسي متوكل عثمان سلامات، أن هذه التفسيرات على إختلاف إتجاهاتها تعكس في جوهرها إعادة إنتاج للوهم وتضليل للرأي العام السوداني ، فالواقع يشير بوضوح إلى أن الجيش السوداني، بمؤسساته ومليشياته وإمتداداته السياسية، ظل ولا يزال خاضعاً لهيمنة الإسلاميين منذ عقود، وأن أي قرارات إحالة للتقاعد ليست سوى إجراءات روتينية تُستخدم من حين لآخر كأداة لتجميل صورة المؤسسة العسكرية وإيهام الشعوب السودانية والمجتمع الإقليمي والدولي بأنها في طريقها لتطهير صفوفها. الحقيقة أن تصوير الجيش وكأنه مزيج من إسلاميين وشرفاء ليس سوى خدعة سياسية تُراد بها المراوغة وإبقاء بنية الدولة الأمنية والعسكرية كما هي.
ويؤكد متوكل سلامات إن ممارسة إحالة الضباط للتقاعد لأسباب سياسية او روتينية بنكهة تصفية الإسلاميين ليست جديدة في السودان. فقد سبق أن إتخذ الرئيس المخلوع عمر البشير ومن سبقه قرارات مشابهة بنفس الأسلوب لإدارة التوازنات داخل المؤسسة العسكرية تحت مبررات تجديد الدماء أو إبعاد الإسلاميين. ما يحدث اليوم من قبل البرهان هو إستمرار لنفس النهج في إدارة المؤسسة العسكرية وبذات التبريرات ، مما يؤكد أن الأمر لا يعدو أن يكون إستمرارية للنهج القديم في إستخدام القرارات العسكرية كغطاء سياسي، وليس تغييراً جذرياً في المنهجية.
واضاف “أما الإدعاءات بوجود صراعات داخلية بين البرهان وأطراف أخرى، فغالباً ما تخدم أغراضاً سياسية لتقديم صورة مشوهة عن المشهد الحقيقي. فالمؤسسة العسكرية في السودان، مثل غيرها من المؤسسات العميقة، تحافظ على تماسكها الداخلي أمام الرأي العام، حتى عندما تكون هناك خلافات داخلية.
مراقب: الإنسياق واستمرار الترويج لرواية تصفية الإسلاميين عبر قرارات روتينية يشكل إهانة للوعي المتراكم للشعوب السودانية، ويفضح ويعري محاولات إستمرار إستخدام نفس أدوات التضليل السياسي والإستخباراتي
وبحسب متوكل عثمان إن ، الحقيقة الجوهرية التي يتم تجاهلها عمداً في هذه التحليلات والقراءات هي أن التغيير الحقيقي في المؤسسة العسكرية والخلاص من هيمنة الإسلاميين على المنظومة العسكرية والأمنية لا يتحقق عبر إحالات شكلية او قرارات فردية لترقية أو إحالة ضباط للتقاعد، بل من خلال مشروع تأسيسي لجيش مهني جديد، يؤسس على عقيدة عسكرية جديدة، مستقلاً عن أي ولاء أيديولوجي أو إنتماء سياسي أو حزبي أو جهوي أو قبلي، ويقتصر دوره على حماية البلاد وأراضيها وسيادتها الوطنية، والشعوب السودانية وحماية النظام العلماني الديمقراطي التعددي اللامركزي، وضمان إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وحماية النظام الدَّستوري المرتكز على المبادئ فوق الدستورية، دون تدخُّل في الشأن السياسي أو الإقتصادي او حماية إمتيازات النخب.
وحذر من إن الإنسياق وإستمرار الترويج لرواية تصفية الإسلاميين عبر قرارات روتينية يشكل إهانة للوعي المتراكم للشعوب السودانية، ويفضح ويعري محاولات إستمرار إستخدام نفس أدوات التضليل السياسي والإستخباراتي التي إستخدمتها الأنظمة السابقة.
مؤكدا أن يجري الآن، فهو مجرد إعادة تدوير لنظام متهالك يحاول أن يبرر وجوده عبر خلق سرديات زائفة عن الإصلاح والتطهير، بينما الحقيقة أن البنية العسكرية والأمنية برمتها لا تزال قائمة على ذات الأسس التي زرعها الإسلاموعروبيين منذ خروج المستعمر.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.