عامان على الحرب: ما هي الدروس المستفادة؟
علي جاد الله
دعونا أولًا وصف هذه الحرب وصفًا دقيقًا؛ فهي على غير ما يراها الناس، ليست بين الدعم السريع والجيش فحسب، بل مع الحركة الإسلامية التي تسيطر عليه الحركة الإسلامية لأكثر من 35 عامًا. هذه السيطرة المحكمة على الجيش وجهاز الشرطة وجهاز المخابرات، منحت تنظيم الحركة الإسلامية السيطرة الكاملة على الأجهزة الأمنية في الدولة، وكذلك القطاع الاقتصادي الخاص والعام، وبالتالي أصبحت الدولة ملكها والشعب خادم مصالحها.
بالتالي، عندما اندلعت ثورة ديسمبر المجيدة، لم تنجح في تصفية الحركة الإسلامية من جهاز الدولة عبر لجنة إزالة التمكين، التي أُعيق عملها بسبب لعدم جدية المكون العسكري، ولأنها كُوِّنت أساسًا برئاسة عنصر من عناصر الحركة الإسلامية، وهو الفريق ياسر العطا.
منذ بداية ثورة ديسمبر، انحاز الدعم السريع للقوى الثورية ضد نظام الجبهة الإسلامية بزعامة البشير، وظلت عناصر القوات المسلحة أو بقيادة البرهان موالية ولاءً كاملًا للحركة الإسلامية. وبعد توقيع الوثيقة الدستورية، لم تفلح القوى السياسية المدنية في أن تكوّن تحالفًا قويًا مع الدعم السريع الذي يساعدها على منع التفاف الحركة الإسلامية والقوات المسلحة على الثورة. وذلك لخلل في بنية القوى السياسية المدنية التي يتشكل غالبها من القوى الاجتماعية للقوات المسلحة نفسها، وبالتالي هناك علاقة مصالحية بين القوات المسلحة والحركة الإسلامية من جهة، والقوى السياسية المدنية المركزية من جهة أخرى، هذه العلاقة المعقدة عسكرت المواقف السياسية وأظهرت التحيزات.
إعندما اندلعت حرب 15 أبريل، وقفت القوى السياسية بعيدًا، بل وأحيانًا تنتقد الدعم السريع، وعدد من قادتها الآن موالٍ للقوات المسلحة سرًا. ومن هنا يتجلى بصورة واضحة أن الحرب لها جوانب اجتماعية وجهوية مصلخية وتاريخية، بين قوة اجتماعية سياسية تريد أن تقطع مع الماضي المظلم الذي صاحب تكوين الدولة السودانية، وبين قوة تريد المحافظة على المكاسب التي تحققت منذ ذهاب الاستعمار إلى غاية الآن.
الآن يشكّل الدعم السريع رأس الحربة ومعه الحركة الشعبية وجزء من الحركات المسلحة وقوة من شرق السودان في اقتلاع نظام، تشكل من حلقات وفترات تاريخية؛ أحيانًا باسم الطائفية ومرة باسم ديكتاتوريات عسكرية ومرة باسم الجبهة الإسلامية، لكن في نهاية الأمر شكّلت كل هذه الأنظمة مصالح مجتمعات محددة.
نعود إلى أهم الدروس المستفادة من هذه الحرب خلال العامين الماضيين؟
أولًا، اصطف العديد من المثقفين من أبناء شمال ووسط السودان مع جيش الحركة الاسلامية تحت شعار اللنحياز لمؤسسة الجيش، رغم أنهم على خلاف مع الأيديولوجيا مع الحركة الإسلامية وضد الهيمنة العسكرية. ويبدو أن انحيازهم للمصالح التاريخية التي حصلت عليها مجتمعاتهم من الدولة، وأن القول بأن لهم موقف سياسي يتجرد من المصالح، محض أكاذيب ظل يرددها هؤلاء المثقفون.
ثانيًا، بعد أربعة أشهر من الحرب، عمل البرهان وعناصر الجبهة الإسلامية على تحشيد المستنفرين والمقاتلين في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، لجر الدعم السريع إلى مستنقع الحرب في ولاية ذات كثافة سكانية عالية وقرى وبلدات كثيرة. هذا المستنقع كلف الدعم السريع الكثير على المستوى الإنساني واللوجستي، بل وأبعدهم عن التفكير في الدخول إلى مناطق نهر النيل خاصة التي تمثل المخزون الاجتماعي واللوجستي للحرب.
ثالثًا، الآن تعمل القوات المسلحة والحركة الإسلامية لنقل الحرب إلى منطقة شمال وغرب كردفان في سبيل إبعادها من الولاية الشمالية التي تمثل العمق الاجتماعي لمناطق نفوذ النظام البائد، خاصة بعد فشل الطيران في زعزعة استقرار المناطق الآمنة في دارفور.
رابعًا، بعد توقيع الدعم السريع والحركة الشعبية والحركات المسلحة والقوى السياسية المدنية على ميثاق السودان التأسيسي ودستور السودان التأسيسي، قُطع الطريق أمام أي تسوية جزئية أو تؤجل القضايا ذات الطبيعة التاريخية التي لازمت تأسيس الدولة السودانية إلى غاية اليوم.
خامسًا، على قوى السودان التأسيسي أن تستجمع قواها سياسيًا وعسكريًا وأن تنقض بقوة على ما تبقى من النظام البائد لتؤسس لدولة العدالة والمساواة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.