إلى الرفيق العزيز Mohammed Alemim Almagdid، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

رمضان كريم، وكل عام وأنتم بخير، وعيد سعيد ومبارك عليك وعلى كل الأهل والأحبة،
ونسأل الله أن يعيده علينا وعليكم بالسلام، وعلى الوطن في حالٍ أفضل يليق بتضحيات أهله وصبرهم الطويل.

أخي العزيز،
نعم، رسالتك كانت في الخاص، لكن ما تناولته يلامس جوهر قضية عامة، لذا اسمح لي أن أرد عليها علنًا، حتى نوسّع زوايا الرواية، وندفع باتجاه وعي حقيقي، وحوار شفاف يهم كل السودانيين، رغم خصوصيته.

أشكرك على سؤالك الصادق، الذي أقدّره كثيرًا، لأنه يمنحني الفرصة لأوضّح موقفي، لا كدفاع عن شخصي، بل كمساهمة في تصحيح بعض المفاهيم التي يحاول البعض طمسها عمدًا.

ما بيني وبين أغلب رفاق الدرب قديمًا ليس خلافًا على التفاصيل، بل هو تباين جذري في الرؤية والموقف والاتجاه.
هو الفرق بين من ارتضى أن يعيش داخل وهم التوازنات القديمة، متكئًا على ذاكرة مشروخة بصفقات الماضي،
ومن قرر أن يخرج من تلك الدائرة المغلقة، ويواجه الحقيقة كما هي، مهما كانت موجعة أو مكلفة.

لقد اخترتُ أن أكون جزءًا من مشروع التأسيس، لا لأنه الطريق الأسهل، بل لأنه الطريق الأصدق، الطريق الذي يعيد تعريف الدولة السودانية على أسس جديدة:
العدالة، والمواطنة، وتوزيع السلطة والثروة، والمحاسبة، واحترام التعدد، وكسر المركزية، وتحرير الناس من الوصاية.

وأضيف هنا بكل وضوح ومرارة:
حتى العلمانية التي كنا نؤمن بها معًا وندافع عنها كمبدأ لفصل الدين عن السياسة وحماية التعدد، تخلّى عنها بعض الرفاق اليوم بلا حياء ولا مراجعة.
فأي زيف هذا الذي نعيشه ونراه بأم أعيننا؟
وأي خيبة هذه التي أصابت المواقف السياسية والفكرية، حتى صارت مجرد صدى لهيمنة جديدة تتزين بشعارات الحرية، وهي لا تؤمن بها أصلًا؟

أما الحرب الحالية، فدعني أقولها بوضوح لا لبس فيه:
ليست معركة جيش ضد مليشيا كما يروّج الإعلام المتحكم فيه من بقايا الدولة العميقة،
بل هي محاولة يائسة لإعادة إنتاج نفس المنظومة التي دمّرت السودان منذ 1955، منظومة بُنيت على القهر والإقصاء والتمييز الجهوي والديني، وتحتكر السلطة باسم “الوطنية”، بينما تتغذى على دماء الهامش وموارد الشعوب.

أنا ضد العنف، ضد أي قتل للمدنيين، وضد التسلّط تحت أي مسمى…
لكنني أقف بوضوح ضد مشروع الدولة المركزية الإرثية، وأدواتها، وواجهاتها التي ترتدي ثياب الإصلاح وهي تحمل بداخلها جوهر الفساد.

أما الهجوم على شخصي، فليس جديدًا…
بل هو نتيجة طبيعية لموقفي الثابت، ورفضي للتماهي مع الخط الرمادي، وألمي الصادق من الخيانة المتكررة لثورات هذا الشعب باسم “القيادة الرشيدة” أو “الحكمة الزائفة”.

وأقولها هنا بوضوح شديد:
ابحث عن الانتماء الديني والجهوي والإثني لغالبية من يهاجمونني، وستدرك الحقيقة دون عناء.
لن تجد خلافًا على المبادئ أو القيم، بل ستجد محاولة مستميتة للدفاع عن امتيازات موروثة، وهيمنة قديمة تعيش في حالة رعب من مشروع يعيد توزيع القوة والوعي والحق.

وبالمناسبة – وللتاريخ – معظم من يهاجمونني منذ بداية هذه الحرب، بل وبعضهم قبل أن تُطلق أول رصاصة، تواصلوا معي بأنفسهم طالبين مني الانحياز إلى “الجيش” باعتباره المؤسسة الوطنية!
تخيل معي حجم التواطؤ والتآمر ضد الشعوب السودانية، وضد أهلنا في الهامش، حين يصبح الانحياز للقاتل مطلوبًا، والموقف مع الضحية مدانًا.

هذا ليس خلافًا فكريًا، بل معركة مكشوفة بين من يقف مع تغيير حقيقي، ومن يريد إنقاذ بقايا الدولة التي دمرت السودان منذ ما قبل الاستقلال.

هذا الهجوم ليس بسبب ضعف في موقفي، بل بسبب خوفهم من أن مشروع التأسيس لم يعد مجرد شعار، بل أصبح واقعًا يفرض نفسه.

أنا لا أكنّ العداء لأحد،
لكنني أرفض أن أكون جزءًا من تزييف التاريخ، أو من تبرير جرائم المركز المتجدد، أو السكوت عن قصف القرى، واغتصاب الحقيقة، وتخوين الضحايا.

أنا مع الحق،
ومع كل من يؤمن أن السودان لن يُبنى من جديد إلا بـقلع جذور الهيمنة، وكسر قدسية القتلة، وتأسيس دولة لا تقدّس أحدًا إلا الإنسان.

وهنا أود أن أؤكد:
مشروع التأسيس ليس مجرد خطاب مقاومة، بل هو نواة لصياغة مستقبل بديل، نعمل على تحويله من فكرة إلى مؤسسات، ومن شعار إلى ممارسة على الأرض، بوابةً حقيقية نحو سودانٍ عادلٍ، متعددٍ، وحر.

ولذلك أقول:
لن يوقفني التشويه، ولن تُسكتني جوقة التهريج، ولن أكون ممن يغيّرون مواقفهم بحسب اتجاه الريح.
لقد اخترت موقفي، وسأتحمّل تبعاته، لأنني أؤمن أن الحقيقة أثمن من السلامة.

ولكل من لم يحسم موقفه بعد، ولكل من أنهكته الخيبات…
هذا وقت الاختيار.
إما أن نعيد تدوير الدولة التي قتلتنا مرارًا،
أو نبدأ الطريق الحقيقي نحو وطنٍ لا سيد فيه ولا عبد،
وطن تُبنى فيه الدولة على أساس الحرية والكرامة والمواطنة.

إسماعيل هجانة | الحكاية الأعمق من الحرب

#التأسيس_مستمر
#نحن_صوت_من_لا_صوت_له
#لا_لإعادة_إنتاج_الدولة_المنحازة
#سودان_المواطنة_والعدالة
#الوعي_أقوى_من_التخوين
#اختارك_الزمن_فاختر_موقفك

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.