عندما تُستخدم الهُوِيَّةُ للتجريم ونزع المواطنة .. الجنجويد .. عرب الشتات، أنموذجاً
✍ د. موسى الأمين حمودة
القيادي بتحالف السودان التأسيسي
ظلت تعمل آليات السلطة بالخرطوم والحركة الاسلامية لوقت طويل في السابق على تدجين العقول بشيطنة مجموعات سكانية او مجتمعات محددة، واعتبار انها المنخرطة في الحروب القبلية او النزاعات المسلحة التي تشهدها البلاد. وغالب هذه المكونات الاجتماعية تقطن بدارفور وكرفان ومنتشرة في اجزاء واسعة من السودان.فإن مصطلحات الجنجويد وعربان الشتات ما هي الا تنميط الصراع بالسودان واستخدام الهُوية كسلاح لنزعها منهم ورميها على مجموعات قبلية محددة. كل هذه السياسات برعت فيها نخبة الشمال النيلي ضد هذه القبائل وجعلها في حالة صراع مع نفسها تارة ومع القبائل الغير عربية في دوامة طويلة من الصراع. اما مصطلح “الشتات” (باليونانية)، دياسبورا، يُطلق على أماكِن تواجد شعوب مهاجرة من أوطانها في مناطق مختلفة من العالم ليصبحوا مشتتين فيها كمجموعات متباعدة، ويتفاعلون فيما بينهم بمختلف الوسائل للتنسيق لمحاولة العودة إلى أوطانهم. ومن الأمثلة على شعوب تعيش في الشتات، أكثرهم في أمريكا اللاتينية ، واوروبا، وافريقيا وجنوب شرق آسيا.
في العام الماضي، كتب الدريري محمد أحمد القيادي السابق بتنظيم الحركة الإسلامية رسالة موجة للسفير الامريكي ولم يحدده في مضمون رسالته، والرجل كتب مقالين مطولين عن عرب الشتات وأعقبها بلقاءات تلفزيونية محلية عن فكرته لهوية عرب الشتات وهو يرى انهم “اما جهينة فقد قصدت الى حوض بحيرة تشاد لتبلغه في حوالي ١٤٦٠ للميلاد، اي بعد ظعن وإنتجاع استمر لأربعمائة عام. وبعد حادثة “شقة الناقة” او “ناقة العريقي”، المشهورة في ميثولوجيا هذه القبائل، والتي وقعت نحوا من عام ١٥٦٠ للميلاد انفتل جزء من هذه القبائل نحو الجنوب الشرقي ليدخل الحزام المطير في دارفور وكردفان بينما بقي آخرون في حوض بحيرة تشاد او يمموا مع نهر شاري غربا تلقاء ما يعرف الان بالنيجر ومالي وما ورائها. هؤلاء هم من يعنيهم هذا المقال بعبارة “عربان الشتات.” وفي جزئية أخرى من نفس المقال يقول الدرديري ” هؤلاء هم عربان الشتات. وهذه هي المؤامرة التي اتت بهم لدورنا في الخرطوم ومدننا وقرانا في دارفور وكردفان ومكنتهم من ارتكاب الفظائع المعلومة التي يندي لها الجبين”.
وتوصيف الدريدي للقبائل العربية بدارفور وكردفان جمعيها انها قبائل حديثة الوجود بهذه المناطق وقد زاد تواجدهم وتغلغلهم في مؤسسات الدولة عقب سقوط نظام البشير وتمركز الدعم السريع بالخرطوم وقيادة الدولة.وبهذا الانحطاط الذي توصل له الدريري ونزعه الهوية وحق المواطنة من قبائل معينة أتضح هذا الاستهداف في اسلوب قيادة الجيش في تركيز المعركة واستهدافهم لمناطق وحواضن إجتماعية معينة بالطيران والحرمان من الحقوق المدنية والاوراق الثبوتية.
والحقيقة التي لايستطيع ان ينكرها الدرديري نفسه والذين يوالونه ، ان هذه المجتمعات تم استغلالها عبر الدولة التي كان الدريري احد ركائزها في اخماد التمرد ضد الدولة منذ حرب الجنوب وانتهاءا بصراع دارفور الحديث والقديم، واستخدمت هذه القبائل، مستغلين بساطتها وبعدها عن صناعة القرار للقتال انابة عن الدولة في حروبها ضد حركات الكفاح في دارفور وكردفان. وصورته الدولة وقتها أنه صراع (عرب vs الزرقة )وبرغم هذا التضحية تعتبرهم الدولة على انهم محتلين جدد وانهم جنجويد، وأطلقت العنان لكُتابها ومُفكريها عبر كل وسائل الاعلام المختلفة على ان هذه القبائل هي من تدير الصراع ضد المكونات الغير عربية والمؤسف ان العالم صدق هذه الرواية المعطوبة.
ان المجتمعات التي يصفها الدرديري ب”عربان الشتات” أستقر بها الحال بمناطق دارفور وكردفان كهجرة طبيعية مثلما حدث لكثير من القبائل والمجتمعات السودانية اكثر من ثلاثمائة عام، وهذا لا ينتقص من هويتهم السودانوية في شيء وقد قاموا بواجباتهم تجاه حماية البلاد وخدمتها.
الهوية السودانوية هي مزيج من الدماء العربية والافريقية بعضهم البعض وشركاء في الهوية والتنوع الطيب الذي يسخر به السودان ومعترفين بحقوق القبائل في التعايش السلمي والحواكير والديار التي تُعبر عن هُواياتها المتنوعة.
وما يميز الميثاق السياسي ، هو معالجته لقضية الهوية بشكل واضح لا ليس فيه. وقد نصت المادة (٩) من المباديء العامة” ترتكز الهوية السودانوية على حقائق التنوع التأريخي والمعاصر للدولة السودانية في ظل سودان جديد يقوم على أسس الحرية والعدالة والمساواة ، ويكون التنوع مصدر للثراء الثقافي والاجتماعي، ورابطة تؤسس للتعايش السلمي ، واقوم هذه الرابطة الإجتماعية ( الوحدة في تنوع) على الإختيار الطوعي والارادة الحرة لكافة شعوب السودان”.
يُتبع…
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.