الفاشر تتحرر والسودان على المحك

دارالسلام وداعة

الفاشر شمال دارفور بعد أعوام من الحصار و المعاناة أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة الفاشر في إنجاز عسكري مهم يسلط الضوء على مأساة المدنيين و يكشف هشاشة الواقع السياسي في السودان النصر لم يخفف من الألم فالمدنيون الذين عانوا طوال عام كامل من نقص الغذاء والمأوى والتعليم أصبحوا اليوم أمام مفترق طرق جديد حيث تتناوب الأطراف السياسية على تداول المصالح بعيداً عن الواقع الإنساني

السيطرة على المدينة أظهرت قدرة الدعم السريع على فرض واقع ميداني جديد بينما يواصل الجيش رفض التوقيع على أي اتفاق سياسي بحجة أن ذلك يعني الاعتراف بالدعم السريع الحقيقة أن هذا الرفض يطيل المعاناة و يجعل المدنيين رهائن في صراع لا يرحم و يطرح تساؤلاً صريحاً هل النصر العسكري يكفي لتغيير واقع الإنسانية في دارفور؟

في 12 سبتمبر 2025 أصدرت الرباعية الدولية ( الولايات المتحدة ، مصر، السعودية و الإمارات) بياناً مشتركاً جاء فيه:
ندعو جميع الأطراف السودانية إلى الالتزام بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر تليها هدنة دائمة ثم الدخول في عملية سياسية شاملة تؤدي إلى تشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر مع مراعاة حماية المدنيين و توفير المساعدات الإنسانية العاجلة

البيان الدولي يؤكد أيضاً أن الحل العسكري لا ينهي النزاع و أن أي دعم خارجي للأطراف المتحاربة يطيل الأزمة و يهدد الأمن الإقليمي و يضع ضغوطاً واضحة على جميع الأطراف لضمان حماية المدنيين و فتح ممرات آمنة لتقديم المساعدات الإنسانية

رغم وضوح نص البيان فإن دور الدعم السريع لم يُذكر و لم تتناول الرباعية أزمة مثلث حلايب أو البحر الأحمر ما يعكس تواطؤاً ضمنياً أو تجاهلاً لحقوق المدنيين و السيادة الوطنية

في الوقت نفسه تشير تقارير مؤكدة إلى أن عبد الفتاح البرهان سلم أراضي سودانية لمصر مقابل دعم عسكري و سياسي متجاهلاً الحقوق السودانية في البحر الأحمر و مجزرة دارفور هذه الصفقة تمثل خطراً مباشراً على سيادة السودان و تلغي الشرعية الوطنية و تضع العدالة التاريخية على المحك الدعم السريع عليه رفض الصفقة و وضعها في اجندة المفاوضات و عدم الاعتراف بها لأن قبولها يعني التخلي عن حقوق الشعب و سيادة البلاد لصالح أطراف خارجية لا تمثل أحد

رفض الجيش المستمر لتوقيع الاتفاقات الدولية يضعه في موقف ضعيف سياسياًو دبلوماسياً، في ظل تماسك الرباعية الدولية و حرصها على إنهاء الحرب و استعادة العملية السياسية. استمرار هذا الموقف قد ينعكس على مصداقية الجيش داخلياً و خارجياً و يحد من تأثيره في المفاوضات المستقبلية.

تحرير الفاشر لم يخفف من المعاناة الإنسانية آلاف المدنيين ما زالوا يعيشون تحت وطأة فقدان المأوى ، نقص الغذاء، المياه و غياب الخدمات الأساسية، حيث تشير تقديرات المنظمات الإنسانية إلى أن عشرات الآلاف يحتاجون إلى مساعدات عاجلة و كل يوم بدون اتفاق سياسي عادل يعني المزيد من الموت و التشريد و المعاناة و يضع المدنيين في قلب صراع الأطراف السياسية

السودان الآن أمام مفترق طرق النصر العسكري في الفاشر مهم لكنه لا يغطي على الفساد و الصفقات المشبوهة و لا على الاستغلال الإقليمي الذي يهدد السيادة الوطنية الاتفاقات الدولية و الإقليمية تبيع الأرض و السيادة و تغلق الطريق أمام العدالة التاريخية بينما المدنيون بحاجة إلى حماية حقيقية و ليس شعارات هدنة أو اتفاقيات شكلية الحل يبدأ بالاعتراف الكامل بحقوق الشعب و رفض أي اتفاق يفرط بسيادة البلاد مع إشراك المدنيين في كل خطوة لضمان حمايتهم و مستقبل السودان

كما يبرز السياق الدولي دعم الرباعية لمسار هدنة شاملة و الضغط على جميع الأطراف لإيجاد حل سياسي عادل و شامل، بما يضمن احترام سيادة السودان و حقوق المدنيين و هو ما يعزز الحاجة لوقف التدخلات الخارجية و فرض حماية حقيقية للمواطنين في جميع أنحاء البلاد.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.