تحركات مصرية في الأفق.. وتصعيد عسكري يغرق المشهد السوداني
تقرير -عين الحقيقة
تلوح في الأفق تحركات مصرية تجاه الأزمة السودانية، على خلفية تصاعد العمليات العسكرية التي استهدفت مراكز استراتيجية في شرق السودان، بدأت من عاصمة ولاية البحر الأحمر بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة لحكومة الأمر الواقع، مروراً بكسلا، القضارف، بجانب الولاية الشمالية -محلية مروي، وولاية النيل الأبيض كوستي ..هذا التصعيد العسكري رافقته موجة من نداءات شعبية واسعة تدعو لإيقاف الحرب، خشية من حدوث شلل كامل في الحركة الاقتصادية بالبلاد.
وفي تطور دبلوماسي لافت، شرعت القاهرة في تحركات تدعو لوقف إطلاق النار بين الجيش والدعم السريع، تصاحبها سلسلة من اتصالات دبلوماسية “صامتة مع القوى السياسية السودانية، مع التركيز على “الحرية والتغيير ؛الكتلة الديمقراطية وتحالف “صمود”، تمهيداً لعقد لقاء يجمع القوى السياسية على مائدة مستديرة برعاية مصرية، تهدف الي جمع الفرقاء السودانيين في حوار سياسي مباشر، يُنقذ الشعب السوداني من براثن الأزمة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي أعقبت اندلاع حرب أبريل.
الخارجية المصرية كثفت في الأيام الماضية، تواصلها مع أطراف مدنية وعسكرية سودانية في محاولة لإعادة ترتيب المشهد السوداني..
على الرغم من التعتيم الإعلامي الذي تخلل المساعي المصرية، كشفت مصادر سودانيةـ لصحيفة -عين الحقيقة ؛أن الخارجية المصرية كثفت في الأيام الماضية، تواصلها مع أطراف مدنية وعسكرية سودانية في محاولة لإعادة ترتيب المشهد السوداني، مستفيدة من الجمود الذي أصاب الوساطة السعودية -الأمريكية من منطلقها الدولي والإقليمي.
وفي سياق متصل، أفادت المصادر أن القاهرة سعت لفتح خطوط اتصالات مباشرة مع قيادة قوات الدعم السريع، إلا أن جهودها لم تُكلل بالنجاح، إذ تعذر عليها الوصول إلى الفريق محمد حمدان دقلو؛ قائد الدعم السريع.. وتفيد المصادر بأن قوات الدعم السريع باتت متحفظة تجاه أي مبادرات جديدة، عقب تجربتها مع المبادرة السعودية، التي استُغلت من قبل الجيش لترتيبات عسكرية، ثم أعقبها رفض العملية التفاوضية.
وبحسب مراقبين سياسيين، فإن التحركات المصرية تسير ببطء، لذلك لم تُحدث اختراق حقيقي بالمشهد السوداني المتأزم منذ اندلاع الحرب في أبريل عام 2023.. ويضيف المراقبين أن القاهرة لم تنجح في استقطاب دعم إقليمي ودولي فعال لخطتها، التي تعتمد على التعاون مع الفاعلين السياسيين السودانيين، من أجل إقناع الأطراف بإعطاء فرصة لحوار سوداني-سوداني.
خبراء عسكريون: قوات الدعم السريع أصبحت أكثر حذراً، بعد أن شعرت بأنها استُغلت في مبادرة منبر جدة..
وفي ظل هذا المشهد، يطرح خبراء عسكريون ومحللون سياسيون ثلاث سيناريوهات لمصير الحراك المصري..أولاً أن السيناريو الأفضل: موافقة الجيش والدعم السريع بالجلوس إلى طاولة الحوار، بالأخص إذا نجحت القاهرة في إقناع السعودية والإمارات بدعم رؤيتها، مما يمنح المبادرة ثقلاً عربياً مشتركاً، يُفضي لتهدئة مرحلية، تُنقذ ما تبقى من الاقتصاد، وتفتح نافذة لوقف إطلاق النار الدائم، توطئة لتوقيع اتفاق سلام شامل بين الأطراف.
غير أن في السيناريو الثاني قد يصطدم فيه الحراك بجدار صلب من عدم الثقة بين الفرقاء السودانيين، وفي ذلك: يقول خبراء عسكريون إن قوات الدعم السريع أصبحت أكثر حذراً، بعد أن شعرت بأنها استُغلت في مبادرة منبر جدة، وبالتالي لن تكرر الخطأ بسهولة، ولا سيما أن الجيش من تجاه آخر ينظر بريبة إلى أي وساطة لا تمنحه الأفضلية العسكرية والسياسية.
أما السيناريو الأخير، فيراه بعض المحللين أنه من المحتمل أن يستغل من قبل الجيش والدعم السريع كغطاء مؤقت لإعادة ترتيب صفوفهما عسكرياً، مشيرين إلى أن القاهرة تدرك هذا الأمر، وتحاول، عبر قنواتها الأمنية والدبلوماسية، تفادي تكرار سيناريو جدة.
بدأت التحركات المصرية ببطء وبعيداً عن الأضواء، إلا أنها قد تُشكل نقطة تحول محتملة في مسار حرب أبريل..
وبحسب الجيوسياسية وتشابك المصالح بين مصر والسودان، تدرك القاهرة أن استمرار النزاع في السودان ستكون له تداعيات أمنية مباشرة على حدودها الجنوبية، لا سيما مع تصاعد نشاط الميليشيات والجماعات الإسلامية المسلحة، في ظل تفاقم أزمات النزوح وانفلات حركة السلاح.
وتنطلق الدبلوماسية المصرية من دوافع وتحركات جادة، لمنع انهيار الدولة السودانية بالكامل، أو الحفاظ على الحد الأدنى من تماسك مؤسساتها.. إذن لم تأتِ التحركات المصرية من فراغ، برغم التوترات السابقة مع قوات الدعم السريع، بيد أن مصر تمتلك علاقات تاريخية وقدرات استخباراتية تمكنها من لعب دور مهم في الشأن السوداني، إذا ما اتخذت موقفاً حيادياً بعيداً عن الانحياز لطرف دون آخر، كما يرى خبراء عسكريون.
لقد بدأت التحركات المصرية ببطء وبعيداً عن الأضواء، إلا أنها قد تُشكل نقطة تحول محتملة في مسار حرب أبريل في السودان، إذا ما اقترنت برغبة حقيقية من الأطراف بالتوصل لتسوية سياسية شاملة.. مع أن المشهد لا يزال غامضاً، ومرهوناً بتوازنات إقليمية وعسكرية معقدة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.