وسط ركام من المآسي، ورُزنامة من الموت والمعاناة التي امتدت لعام ونيف، تعيش مدينة السلطان “الفاشر- أو كما يحلو لكبارها وظرفائها تسميتها بقلعة علي ود زكريا“، الاسم الأشهر للسلطان علي دينار، آخر سلاطين مملكة دارفور فصولًا جديدة من الألم والأمل.

احتفل الكثيرون في قلب الفاشر الكبير، لا ابتهاجًا بنصر أو حبورًا لمشروع التحرير فحسب، بل حفاظًا على ما تبقى من حياة، وصونًا لشذرات الأمل التي قد تُفضي إلى وقف الحرب والموت في سوداننا الفسيح.
في الأسابيع الماضية، تلقى أهل إقليم دارفور نبأ الفاجعة الأخيرة من سلسلة حلقات الموت بين أبناء الجغرافيا الواحدة والثقافة المشتركة، الذين شكلوا ثلاثي الأثافي: الجيش، والدعم السريع، والقوات المشتركة، إلى جانب آخرين شمروا سواعدهم للموت بلا غبينة ولا وجيع، بل كانوا معاونين لرسل الشر، وحماة القضية الكاذبة التي يرفعها كارتيل الإسلاميين، أولئك الذين ساقوا الناس والبلاد إلى مورد الهلاك.
اختلقوا عشرات السرديات لتتسق مع المواجع والفواجع التي فجرتها حرب الخامس عشر من أبريل في الخرطوم، تلك الحرب التي أشعلها الإسلاميون برغبتهم الجامحة في استعادة السلطة والثروة، بعدما سطوا على طاقاتنا الاجتماعية وقوانا الشبابية، فلم يتركوا مساحة من روح الإنسان السوداني إلا ووظفوها في سوح القتال، ليحولوا الوطن إلى ساحة للموت التراكمي والكمي.

ومع ذلك، احتفل الكثيرون في قلب الفاشر الكبير، لا ابتهاجًا بنصر أو حبورًا لمشروع التحرير فحسب، بل حفاظًا على ما تبقى من حياة، وصونًا لشذرات الأمل التي قد تُفضي إلى وقف الحرب والموت في سوداننا الفسيح.
وفي الساعات الأخيرة، فاضت مساحات العالم الرقمي ووسائط التواصل الاجتماعي بمشهد من داخل الفاشر، ظهرت فيه الإعلامية بقناة «سكاي نيوز» وسط المدينة، فهلل الصغار والكبار من أبناء المخيمات، وسكان الأحياء المهدمة، والمستشفيات المنكوبة، والأسواق التي لا تُطعم أهلها من جوع ولا تؤمنهم من خوف.
كان لأهل دارفور عامة، ولأبناء الفاشر خاصة، القولُ الفصل في الوقوف سدًّا منيعًا ضد تجدد الحرب في مدينتهم، حتى لا تتحول إلى مستودع للخراب والموت الزؤام.. وعلى ترابها سقط الجميع بين قتيل وجريح، وفر كل من استطاع الهرب من قهر البنادق وزخات الرصاص وأزيز المدافع.
اليوم، تبدأ الفاشر رحلة حياة محفوفة بالتعب والشقاق النفسي والاجتماعي، محاولة أن تعود كما كانت بالأمس، أو لسيرتها الأولى. وبرغم الجراحات والآلام، تسمو المدينة، وتتقدم، وينمو الأمل والحياة في قلوب أهلها شيئًا فشيئًا، حتى تعود «أبو زكريا» كما كانت في سالف العهود… قلعة للحياة، لا معقلًا للموت والزؤام.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.