إدانة علي كوشيب.. هل تفتح ملف العدالة الدولية في السودان مجددًا؟

تقرير - عين الحقيقة

أعادت إدانة المحكمة الجنائية الدولية لقائد قوات الدفاع الشعبي، ولاحقا قوات حرس الحدود السابق في منطقة وداي صالح بولاية غرب دارفور، علي محمد علي عبدالرحمن المعروف “بعلي كوشيب“، فتح ملف الجرائم المرتكبة في إقليم دارفور عام 2003، وأعادت إلى الواجهة مجددًا السؤال الأهم: هل حان الوقت لتسليم بقية المطلوبين إلى العدالة الدولية؟

يُعتبر علي كوشيب أحد أبرز قادة حرس الحدود التي اتُّهمت بتنفيذ حملة واسعة من الانتهاكات ضد السكان في منطقتي وادي صالح وبندسي وقارسيلا بولاية غرب دارفور ، بدعم وتسليح من حكومة المؤتمر الوطني آنذاك..

ففي حكم تاريخي صادر من لاهاي في الأشهر الماضية، أدانت المحكمة كوشيب بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، شملت القتل والاضطهاد والاغتصاب والنهب والهجمات الواسعة ضد المدنيين في عدة مناطق من غرب دارفور بين عامي 2003 و2004.. ويُعد هذا الحكم أول إدانة تصدرها المحكمة بشأن جرائم إقليم دارفور، بعد أكثر من عشرين عامًا على اندلاع الصراع الذي أودى بحياة مئات الآلاف وشرد الملايين.

يُعتبر علي كوشيب أحد أبرز قادة حرس الحدود التي اتُّهمت بتنفيذ حملة واسعة من الانتهاكات ضد السكان في منطقتي وادي صالح وبندسي وقارسيلا بولاية غرب دارفور ، بدعم وتسليح من حكومة المؤتمر الوطني آنذاك.. وبعد سقوط نظام البشير عام 2019، سلم علي كوشيب نفسه طواعية للمحكمة الجنائية الدولية في يونيو 2020، بجمهورية افريفيا الوسطي في خطوة فُسرت حينها بأنها محاولة لحماية نفسه من خصومات داخلية أكثر من كونها اعترافًا بالمسؤولية القانونية.

واستمرت محاكمته لأكثر من ثلاث سنوات، استمعت خلالها المحكمة إلى شهادات أكثر من 130 شاهدًا من الضحايا والناجين، وقدمت النيابة آلاف الصفحات من الأدلة الموثقة التي أكدت مسؤوليته عن عشرات الهجمات ضد القرى في ولايات غرب وجنوب دارفور.

وفي السياق، تري منظمات حقوق الإنسان أن الحكم ضد كوشيب يشكل نقطة تحول رمزية في مسار العدالة الدولية للسودانيين، ويبعث برسالة قوية بأن مرور الزمن لا يلغي الجرائم، وأن العدالة قد تتأخر لكنها لا تسقط بالتقادم.

المطلوبون الآخرون الرئيس المخلوع عمر البشير، ومساعده السابق أحمد هارون، ووزير الدفاع الأسبق عبدالرحيم محمد حسين، والقائد العام لحركة العدل والمساواة  عبدالله بندا أبكر لا يزالون خارج ولاية المحكمة.

غير أن مراقبون سودانيون يرون أن القضية تمثل اختبارًا سياسيًا صعبًا لحكومة بورتسودان، والعسكريين بقيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان وقيادات الحركات المسلحة على السواء، في ظل الانقسام الحاد حول مسألة التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.

فالمطلوبون الآخرون وعلى رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير، ومساعده السابق أحمد هارون، ووزير الدفاع الأسبق عبدالرحيم محمد حسين، إضافة إلى القائد العام لحركة العدل والمساواة المتواجد حاليًا في بورتسودان“ عبدالله بندا أبكر لا يزالون خارج ولاية المحكمة.

ويواجه هؤلاء تُهماً مشابهة تتعلق بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية خلال الصراع في دارفور عام 2003.

منذ توقيع اتفاق جوبا للسلام عام 2020، أعلنت حكومة ثورة ديسمبر برئاسة د. عبدالله حمدوك آنذاك استعدادها للتعاون مع المحكمة، بل ووافقت على تسليم المطلوبين، لكن الأحداث السياسية المتعاقبة، والانقسامات داخل قيادة الجيش السوداني، أدت إلى تجميد الملف عمليًا.

فبينما يطالب ضحايا دارفور وأسرهم بضرورة مثول البشير وهارون أمام العدالة، ترى القيادات الجيش السوداني أن تسليمهم يمثل مساسًا بالسيادة الوطنية، وأن محاكمتهم يجب أن تتم داخل البلاد.

وفي ظل الحرب الدائرة حاليًا بين الجيش وقوات الدعم السريع، تزداد الشكوك حول قدرة قيادات الجيش في بورتسودان على اتخاذ قرار حاسم بشأن تسليم أي من المطلوبين، خصوصًا وأن بعضهم، مثل أحمد هارون، وعبدالرحيم محمد حسين قد فرا من سجن كوبر في الخرطوم العام الماضي مع اندلاع القتال.

ورحبت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بإدانة كوشيب، واعتبروها خطوة نحو تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا. ودعا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، في بيان رسمي، حكومة بورتسودان إلى تسليم بقية المطلوبين فورًا، مؤكدًا أن العدالة في دارفور لم تكتمل بعد، ولن تكتمل إلا بمحاسبة كل من تورط في الجرائم.

خان: المكتب مستمر في التحقيقات بشأن الجرائم الجارية في دارفور، النزاع الحالي يهدد بإعادة إنتاج نفس الانتهاكات التي وقعت قبل عقدين..

وقال خان إن مكتبه مستمر في التحقيقات بشأن الجرائم الجارية في دارفور، مشيرًا إلى أن النزاع الحالي يهدد بإعادة إنتاج نفس الانتهاكات التي وقعت قبل عقدين. إلي ذلك، يرى محللون أن مسألة تسليم المطلوبين باتت مرهونة بالتطورات الميدانية والسياسية داخل البلاد، إذ لا توجد سلطة مركزية موحدة قادرة على تنفيذ قرارات من هذا النوع في ظل حالة الانقسام الراهن.

كما أن قيادة الجيش في بورتسودان تخشى أن يؤدي التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح ملفات جديدة تتعلق بالانتهاكات الجارية في الحرب الحالية. مع ذلك، يعتقد آخرون أن حكم كوشيب قد يشكل بداية جديدة لمسار العدالة الانتقالية في السودان، خاصة إذا تم توظيفه كرمز للالتزام بمبدأ عدم الإفلات من العقاب، لا كمجرد تصفية حسابات سياسية.

إدانة قائد حرس الحدود السابق «الدفاع الشعبي» علي كوشيب هي انتصار للعدالة، لكنها تظل خطوة أولى في طريق طويل وشاق.. فما لم يتم تسليم بقية المطلوبين ومحاسبة جميع المتورطين من أي جهة كانوا ستبقى العدالة في دارفور ناقصة ومعلقة بين لاهاي والخرطوم، بينما ينتظر الضحايا الحقيقة والإنصاف منذ أكثر من عقدين.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.