في أقصى جنوب غرب كردفان وعلى تخوم مقاطعة أبيي المدينة الخاضعة للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة تقع منطقة سوق النعام أو ما يعرف محليًا بسوق أميت وهي نقطة تماس جغرافي وإنساني بين السودان ودولة جنوب السودان. يعد هذا السوق واحدًا من أهم المنافذ الحدودية في الإقليم إذ يمثل طوق نجاة حقيقيًا لسكان كردفان ودارفور بعد أن أحكمت سلطة الأمر الواقع في بورتسودان قبضتها على حركة التجارة والإمدادات ومنعت تدفق السلع والوقود والعلاج إلى هذه المناطق المنكوبة.
المنطقة غنية بالنفط وتشكل جزءًا من الحقول المتاخمة لحقل هجليج الشهير وهو ما يضاعف من حساسيتها الجيوسياسية
من خلال منفذ سوق النعام تدفقت الحياة مجددًا إلى المدن والقرى في غرب السودان حيث تُنقل البضائع من جوبا وأويل وواراب إلى داخل السودان كما يدخل الوقود بكميات كبيرة عبر طرق غير رسمية ليصل إلى الأسواق المحلية في الفولة والمجلد والضعين وعديلة مما أسهم في تخفيف حدة الأزمة المعيشية التي أثقلت كاهل المواطنين
المنطقة غنية بالنفط وتشكل جزءًا من الحقول المتاخمة لحقل هجليج الشهير وهو ما يضاعف من حساسيتها الجيوسياسية خاصة مع اقتراب المعارك من محيط المنطقة النفطية ما يجعل احتمال التدهور الأمني قائمًا في أي لحظة مالم تتوصل قوات الأمم المتحدة المنتشرة في أبيي وقوات الدعم السريع التي تسيطر ميدانيًا على الأرض إلى ترتيبات واضحة تمنع الانزلاق نحو الفوضى. تتواجد في مربع أبيي قوات أممية من نيبال وباكستان وغانا والهند وتعمل هذه القوات على حفظ السلام ومراقبة الوضع الأمني في منطقة نزعت منها الأسلحة بموجب اتفاقيات سابقة ومع ذلك تبقى المخاوف قائمة من تدفق موجات نزوح جديدة في حال توسع رقعة القتال في كردفان.
مقترح لجعل المنطقه مخصصة للايواء
من بين المقترحات التي طُرحت مؤخرًا أن يتم تخصيص المنطقة الواقعة في بلك عشرة الحدودي كمأوى مؤقت للنازحين إذا ما تفاقم الوضع الإنساني في كردفان لما تتميز به من هدوء نسبي وحياد عسكري بفضل وجود القوات الدولية. ورغم ما تحمله أبيي من إرث ثقيل من النزاعات الأهلية بين دينكا نقوك والمسيرية إلا أن سوق النعام أصبح نموذجًا فريدًا للتعايش والتبادل التجاري بين سكان الدولتين حيث تلتقي اللهجات والعادات في مشهد يعكس عمق الروابط التاريخية بين الشعوب أكثر مما يعكس حدودًا رسمها السياسيون.
الأهمية الاقتصادية لمنطقة سوق النعام
يتمتع سوق النعام بأهمية اقتصادية متصاعدة جعلته مركزًا حيويًا للتبادل التجاري بين السودان ودولة جنوب السودان وهو لا يُعد مجرد سوق حدودي فحسب بل أصبح شريانًا اقتصاديًا يربط بين شعبي الدولتين في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. تنبع أهميته أولًا من كونه المنفذ الوحيد تقريبًا الذي ظلت الحركة التجارية فيه نشطة رغم الحرب والإغلاق الذي طال معظم الطرق والمعابر الرسمية فقد تحولت المنطقة إلى مركز ضخم لتجارة الوقود والسلع الغذائية ومواد البناء والأدوية القادمة من أسواق الجنوب نحو مدن كردفان ودارفور. تشهد المنطقة يوميًا حركة كثيفة للشاحنات والناقلات التجارية القادمة من ولايات واراب وبحر الغزال وأويل محملة بالبضائع إلى داخل الأراضي السودانية ما أنعش الأسواق المحلية في الفولة والمجلد والضعين وعديلة وأسهم في خفض أسعار بعض السلع التي كانت قد بلغت مستويات غير مسبوقة.
رغم ما تحمله أبيي من إرث ثقيل من النزاعات الأهلية بين دينكا نقوك والمسيرية إلا أن سوق النعام أصبح نموذجًا فريدًا للتعايش والتبادل التجاري بين سكان الدولتين
كما ساعد السوق في توفير فرص عمل واسعة لشباب المنطقة حيث امتهن كثير منهم النقل والتجارة وتقديم الخدمات اللوجستية والتخزين وهو ما أعاد الحركة الاقتصادية إلى مناطق كانت شبه معزولة اقتصاديًا.
ولا يقتصر النشاط على تجارة السلع فقط بل يشمل تبادل الخدمات بين المواطنين في الجانبين خاصة في مجالات الصحة والتعليم والعلاج البيطري إذ يعتمد الرعاة والتجار على هذا المعبر لتسيير أعمالهم اليومية وتبادل المنافع بصورة سلمية كما تلعب المنطقة دورًا مهمًا في تزويد الأسواق السودانية بالماشية والمنتجات الزراعية القادمة من الجنوب مقابل تصدير سلع سودانية كالذرة والقمح والملابس وقطع الغيار ما جعل سوق النعام نموذجًا مصغرًا للتكامل الاقتصادي الممكن بين البلدين
ورغم أن السوق يعمل خارج الإطار الرسمي إلا أنه أثبت قدرة المجتمعات المحلية على بناء اقتصاد بديل قائم على الثقة والتعاون والتبادل المباشر بعيدًا عن المركز والقيود السياسية مما جعله رئة اقتصادية يتنفس عبرها غرب السودان في زمن الحصار
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.