العقوبات الأمريكية على السودان .. بين تفاقم الأزمة السياسية ومخاطر العزلة الدولية.

نيروبي – عين الحقيقة

جاء قرار وزارة الخارجية الأمريكية بفرض عقوبات على الجيش السوداني بقيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان على خلفية إستخدام الأسلحة الكيميائية في مواجهة قوات الدعم السريع في حرب أبريل ويأتي القرار الأمريكي العصيب على الجيش بإعتبار أن قائده رئيساً على حكومة الأمر الواقع في بورتسودان سيما في وقت تمر فيه البلاد بأزمات سياسية وعسكرية متداخلة بالصراعات المسلحة.

واستناداً على البيان الصادر من وزارة الخارجية الأمريكية، فإن العقوبات فرضت رداً على انتهاكات الجيش والقوات المساندة له، للقانون الدولي الإنساني، بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة دولياً.

وتُعد هذه العقوبات ضربة قوية للجيش من الناحية السياسية، والعسكرية، إذ تقلل من قدرته على المناورة داخلياً، وتحد من شرعيته وقوته العسكرية في أعين الكثير من مؤيديه من السودانيين والمجتمع الإقليمي والدولي.

وتأتي هذه الخطوة في وقت يحاول فيه قادة الجيش بالعاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان توسيع دائرة نفوذهم السياسي بتعيين رئيس وزراء مدني بعد عامين من الصراع الدامي.

التحرك الأمريكي الأخير بشأن استخدام الجيش السوداني لأسلحة محرمة دولياً، فرضت العقوبات دون الرجوع للمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية..

وبالنظر إلى فداحة قرار وزارة الخارجية الأمريكية على حكومة بورتسودان من ناحية سياسية وعسكرية، أبان أستاذ العلوم السياسية بإحدى الجامعات السودانية، فضل حجب اسمه، أن التحرك الأمريكي الأخير بشأن استخدام الجيش السوداني لأسلحة محرمة دولياً، فرضت العقوبات دون الرجوع للمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية، مؤكداً أن هذا التحرك يعكس توجهاً قديماً متجدداً في إدارة ترامب، يقوم على الابتعاد عن المسارات الأممية التقليدية، واتخاذ قرارات أمريكية خالصة، انطلاقاً من قناعات بأن أمريكا دولة عظمى لا تحتاج إلى أدلة أو إجراءات مطولة.

وفي السياق قال أستاذ العلوم السياسية لصحيفة – “عين الحقيقة” إن الولايات المتحدة اعتمدت على تقارير استخبارية ميدانية من داخل السودان، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أوفدت لجان تقصي تابعة لأجهزتها الأمنية، نظراً لما وصفه بالخطورة البالغة التي يمثلها استخدام الأسلحة الكيميائية على الأمن الإقليمي وأمن حلفاءه في المنطقة.

وفي ذات المنحي، يضيف أستاذ السياسية، بأن فرق التحقيق الأمريكية قامت بجمع عينات من مناطق محددة، من بينها مدينة مليط، والكومة وطرة، كما استمعت بشكل مباشر إلى شهادات من مدنيين تعرضوا للقصف، لافتاً إلى أن العداء الواضح من نظام بورتسودان تجاه بعض حلفاء أمريكا في الإقليم، ساهم كذلك في تسريع اتخاذ القرار، مستدركاً أن واشنطن تمارس ضغوطاً متزايدة على رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، لحسم ملف الحرب في السودان، معتبراً أن العقوبات الأخيرة تمثل إشارة تمهيدية لتحركات أمريكية أكثر حزماً، لربما تشمل فرض حظر طيران أو تفعيل البند السابع، كما حدث في العراق سابقاً.

ويتابع استاذ العلوم السياسية قائلاً: إن الولايات المتحدة تراقب عن كثب تنامي العلاقات الدولية بين حكومة بورتسودان وإيران وروسيا، منوهاً إلى أن واشنطن تعتبر البحر الأحمر بمثابة بحيرة أمريكية، بالتالي لن تقبل المساس به أو تقاسم النفوذ فيه، محذراً من أن التعنت السياسي مع أمريكا قد يفتح الباب أمام سيناريوهات سريعة وحاسمة، متوقعاً في الوقت ذاته أن تلجأ حكومة بورتسودان إلى الانحناء أمام الضغوط الدولية والتجاوب مع المطالب المطروحة، وإلا فإن الواقع مرشح للتغير جذرياً.

مراقبون: أن تداعيات العقوبات المفروضة على الجيش السوداني تمثل تصعيداً جديداً في الضغوط الدولية على الجيش الذي بات يواجه صعوبات متزايدة في كسب الدعم السياسي والعسكري من الدول الغربية..

فيما يرى مراقبون دوليون أن تداعيات العقوبات المفروضة مؤخراً على الجيش السوداني تمثل تصعيداً جديداً في الضغوط الدولية على الجيش الذي بات يواجه صعوبات متزايدة في كسب الدعم السياسي والعسكري من الدول الغربية، مشيرين إلى أن استمرار العزلة الغربية قد تدفع الجيش إلى توثيق علاقاته مع قوى دولية مثل روسيا والصين، في محاولة للالتفاف على القيود المفروضة، لتعويض الخسائر الدبلوماسية والسياسية الناتجة عن تدهور العلاقات مع أمريكا.

وبحسب متابعين للشأن الدبلوماسي، أن تحول الجيش في علاقاته نحو دول الشرق قد يوفر بدائل محدودة من حيث التسليح والدعم الفني، مستدركين “لكنه لن يفلح في كسر طوق العزلة الغربية الذي يُفقد حكومة بورتسودان نفوذه في المحافل الدولية، ويضعف فرص التوصل الذي من شأنه أن يفضي لتسوية سياسية شاملة للأزمة المتصاعدة في البلاد.

وعلى الصعيد الإقليمي، يقول خبراء العلاقات الدولية إن العقوبات الأمريكية قد تثير قلقا متزايداً لدول الجوار السوداني، لا سيما تشاد وإثيوبيا وليبيا وجنوب السودان، التي تخشى من امتداد الفوضى السودانية إلى أراضيها، معتبرين ان تداعيات العقوبات في الوقت قد يعزز من المخاوف الإقليمية من استمرار الجيش في القمع واستخدام العنف، بحشد واستنفار الجماعات الإسلامية المتطرفة الذي بدوره يؤدي لتفاقم الأوضاع الأمنية في المنطقة.

خبراء دوليين: استمرار التصعيد العسكري والانغلاق السياسي في السودان من شأنه أن يُضعف فرص الوساطات الإقليمية والدولية..

وفي سياق متصل بالشأن الإفريقي، يعتقد الخبراء الدوليين أن استمرار التصعيد العسكري والانغلاق السياسي في السودان من شأنه أن يُضعف فرص الوساطات الإقليمية والدولية، ويزيد من تعقيد المشهد، في الوقت الذي تتزايد فيه التحذيرات الدولية والإقليمية من تداعيات إنسانية وأمنية قد تتجاوز حدود السودان وتؤثر على استقرار القرن الإفريقي بأسره.

ويبدو واضحا أن العقوبات الأمريكية الأخيرة تشكل منعطفاً خطيراً على الجيش وحكومة بورتسودان في التعاطي مع المجتمع الدولي تجاه الأزمة السودانية، إذ تعكس تصاعد القلق الدولي حيال حجم الانتهاكات المرتكبة على الأرض، من قبل الكتائب الإسلامية والمليشيات القبلية المساندة للجيش عقب عامين من الصمت الدولي حيال ذلك.

وبرغم ما تحمله العقوبات من إمكانية للحد من استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة دولياً، إلا أن الباب ما زال مفتوحاً أمام تساؤلات معقدة بشأن فرص التوصل إلى حل سياسي شامل ينقذ البلاد من براثن الواقع الأمني الهش في ظل قيادة عسكرية مدعومة بمليشيات إسلامية مسلحة تواجه عزلة متزايدة ولا تزال متمسكة بالسلطة والثروة.

ولكن بالمقابل قد تطرح التطورات الأمريكية الأخيرة تساؤلات حول ما إذا كانت تمهد لمسار تصحيحي نحو السلام والمساءلة والمحاسبة، أم أنها تُعمق الأزمة، وتدفع السودان نحو مزيداً من العنف والانخراط في مسارات دولية أكثر تعقيداً.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.