الجيش وتحالفاته الهشة.. من يطلق الطلقة الثانية؟

د. موسى الأمين حمودة

إذا كانت الطلقة الأولى قد أطلقتها كتائب الحركة الإسلامية، مسنودةً من الجيش، ضد قوات الدعم السريع فجر الخامس عشر من أبريل 2023، فإن جيش البرهان اليوم في انتظار الطلقة الثانية… وهي قد لا تأتي من خصمه، بل من داخل تحالفه ذاته.
فمناطق سيطرة الجيش تعيش حالة من الاحتقان، فيما تغمر السيولة الأمنية المشهد بكامله. وتكاد تكون الطلقة الثانية قاب قوسين أو أدنى، إذ تبدو مرشحة للانطلاق من أحد أطراف التحالف الثلاثي الذي يقاتل إلى جانبه: قوات المشتركة و“المستنفرون” من لجان المقاومة الشعبية، والميليشيات مثل “البراء بن مالك”، و”درع السودان” بقيادة كيكل، إضافة إلى مجموعة الجاكومي. تحالفٌ وُصف في بدايته بالقوة والتماسك، أخذ اليوم يتصدع من الداخل. “المستنفرون” تورطوا في عمليات نهب وفوضى في ام درمان والدبة والجزيرة، وتحوّلوا إلى أدوات للنزاع القبلي، كثيراً ما تعمل دون تنسيق مع القيادة العسكرية. أما “درع السودان”، فقد بدأت تزايد على الجيش علانية، وتهدده بالانسحاب إن لم تحصل على المال والسلاح والمناصب، لا سيما في محاور النيل الأبيض وكردفان. هذا التوتر المتزايد أنذر بفتور العلاقة، بل بعداء محتمل بين الجيش وحلفائه.

الإسلاميون، من جهتهم، يعملون بصبر ودهاء على تشكيل جيشهم الخاص، من عناصر داخل القوات المسلحة، ومن ميليشيات مثل “البراء بن مالك”، و”كتائب الظل”، وشباب المؤتمر الوطني المنحل. فالجيش لطالما كان أداتهم المفضلة لقمع الخصوم ووأد الثورات، لكن بعد ثورة ديسمبر 2018، وتورطه في مذبحة القيادة العامة، صار فقدان الثقة في المؤسسة العسكرية واضحاً حتى في عيون من تحالفوا معها. ومع تصاعد الدعوات لجيش وطني مهني بعيد عن السياسة، بات مشروعهم لخلق جيش بديل أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

ضمن هذا المشهد المعقد، يبدو أن ما يُسمّى بتحالف “الكرامة” يسير نحو التفكك. فالحركات المسلحة، التي وقّعت على اتفاق جوبا، تطالب بنصيبها السياسي داخل الحكومة التي يسعى كامل إدريس لتشكيلها، بوصفها حكومة تكنوقراط. وإذا تم منح جبريل ومناوي كامل حصتهما (25%)، وتُركت حركات أخرى مثل مصطفى تمبور دون تمثيل، فقد تندلع صراعات جديدة داخل المعسكر الواحد، تنسف ما تبقى من التوافق.

أما الجاكومي، رئيس كيان الشمال وأحد الموقعين على اتفاق جوبا، فقد صار من أبرز داعمي الجيش، ويجاهر بتجنيد نحو 50 ألف مستنفر من أبناء الشمال في دولة أجنية، في خطوة لا تخلو من طموح سياسي، أملاً في اقتسام سلطة بورتسودان. ومجموعاته، الساعية لتحجيم قوات “المشتركة” وطردها من المشهد، قد تكون أول من يطلق الطلقة الثانية ضد الجيش، إذا لم تحصل على نصيبها من الكعكة.

وهكذا، تبدو الساحة مفتوحة على كل الاحتمالات: مواجهة بين الجيش و”المشتركة”، أو بينه وبين “درع السودان”، أو صراع ثلاثي ينتهي بانهيار الجميع… ليبقى الجيش في انتظار المنتصر، أو في مرمى الطلقة الثانية.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.