من الثورة إلى الحرب.. حينما انهار التوافق وبقي السلاح

إسماعيل يونس محمد

منذ بدايات ثورة ديسمبر 2018م، دخل السودان مرحلة جديدة من الصراع بين تحقيق رؤى الثورة وأهدافها سلميًا، والسعي نحو دولة تسودها العدالة والديمقراطية، وبين تغيير نظام الحكم من جذوره، ومعالجة اختلالاته البنيوية، وصولًا إلى مؤسسات دولة حقيقية كما نادى بها الثوار.
في المقابل، تمترس رواد السودان القديم داخل مؤسساتهم، محاولين بكل الطرق الإبقاء على نظامهم ومكتسباتهم التاريخية، ورفض ما تنادي به الثورة، ومحاولة تمييعها وامتصاصها ودفنها كما حدث في ثورتي 1964 و1985، حينما اكتفت النخب المركزية بتغيير شكلي لأوجه النظام، مع الإبقاء على جوهره الذي دمّر البلاد والعباد.
ورغم أن مطالب ديسمبر كانت سلمية، وعبّرت عن نفسها بخطاب مدني لم يهدم المدن ولم يقتل الأبرياء، إلا أن النظام قابلها بعنف مفرط.
وعندما عجز النظام عن مواكبة المطالب الشعبية، وأصرّ على البقاء ولو على حساب أرواح الناس، قرّر الانقلاب على الشرعية الثورية بعد أن أحكم تحالفاته. فكان انقلاب ليلة 25 أكتوبر 2021م، لكن سرعان ما ظهرت مآلاته، عندما حاول قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إعادة عناصر نظام البشير إلى الحكم، لتأتي الصدمة من قائد الدعم السريع حين قال: “من يظن أن الأوضاع ستعود إلى ما قبل ديسمبر 2019م فهو واهم.”
منذ تلك اللحظة، انقسمت المؤسسة العسكرية على نفسها، وبدأت فترة شدّ وجذب بين ثلاث قوى رئيسية:
1. الجيش وكتلته المرتبطة بعناصر النظام السابق والكتلة الديمقراطية.
2. الحرية والتغيير – المجلس المركزي، التي رفضت الانقلاب.
3. الدعم السريع، الذي ظل يراقب ويتحرك بحذر، ثم أعلن لاحقًا موقفًا معارضًا للانقلاب.
في هذا المناخ المتوتر، برزت عدة مبادرات محلية ودولية لحل الأزمة سلميًا، من بينها:
مبادرة المحامين السودانيين، التي أفضت إلى “الاتفاق الإطاري”، ووقع عليه قادة الجيش والدعم السريع، إلى جانب قوى مدنية، ومبادرات الرباعية والثلاثية، مبادرة الشيخ الطيب الجد.
لكن القلق الذي اجتاح عناصر النظام المباد من هذه التحولات، دفعهم للخروج إلى العلن مهددين بإفشال الاتفاق، سلمًا أو عنفًا. فانسحب قائد الجيش من الاتفاق متعللًا بعدم وجود “إجماع سوداني”، رغم أن المقصود كان صمت فلول النظام المباد.
انغلقت الآفاق السياسية، وفي صباح 15 أبريل 2023م، اندلعت الحرب التي قادها عناصر النظام السابق ضد قوات الدعم السريع، باعتبارها التهديد الأكبر لعودتهم.
دخلت الحرب عامها الثالث، ولا يزال المسرح السياسي والعسكري مأزومًا، بل باتت الأمور أكثر تعقيدًا. فالقوى التي أرادت القضاء على الدعم السريع منفردًا، أصبحت تواجه تحالفًا واسعًا يضم: “الدعم السريع، الحركة الشعبية، حركات دارفور، أحزاب مدنية، منظمات مجتمع مدني، حركات شبابية ثورية”.
في المقابل، تولّدت داخل الجيش مليشيات جهوية ومناطقية ذات نفوذ سياسي وعسكري متصاعد، وتطلعات سلطوية واضحة.
في ظل هذا الواقع، يظل السؤال مفتوحًا: أما كان الأولى لعناصر النظام السابق في الجيش، أن يخوضوا صراعًا مدنيًا ومؤسسيًا لإثبات أحقيتهم في الحكم، بدلًا من القفز في ظلام الحرب؟
والحرب التي أشعلوها وما زالوا عاجزين عن حسمها، رغم وعودهم بأن “أسبوعين فقط” كانت كافية لإنهاء الدعم السريع و”العملاء” كما وصفوهم! ظلت مستمرة حتى الآن، وأخذت منحى مختلف، خالف توقعاتهم واشواقهم.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.