كما كان متوقعًا، انهارت مباحثات ما سُمي بـ”الآلية الرباعية” للتفاكر حول الشأن السوداني والحرب الدائرة فيه، والتي تضم “الولايات المتحدة الأمريكية، السعودية، مصر، والإمارات” .
ويُعد هذا الانهيار هو الثاني، وجاء نتيجة رفض مصر ـ التي باتت تُعرف بدولة الانتداب غير المعلن على السودان ـ لأجندة النقاش، ومحاولتها إفشال أي جهود جدية لإيقاف الحرب، ما لم تضمن استمرار سيطرة وكيلها داخل السودان: القوات المسلحة السودانية.
مصالح استراتيجية مصرية تقود التدخل:
مصر تحتفظ بمصالح استراتيجية في السودان، وترفض التنازل عنها ما لم تضمن تنفيذها بواسطة جهة موالية. وقد ظلت القوات المسلحة السودانية، منذ الاستقلال، الأداة التي ضمنت بها مصر هذه السيطرة.
فكل الانقلابات العسكرية التي شهدها السودان كانت برعاية مصرية مباشرة أو غير مباشرة، كلما تعرّضت هذه المصالح للتهديد.
تشمل هذه المصالح الحصول على الموارد السودانية، مثل المنتجات الزراعية، الصمغ العربي، والثروة الحيوانية، دون آليات تصدير رسمية، وكأنها موارد مصرية محلية.
وقد تحقق هذا عبر سيطرة مصر على المؤسسة العسكرية السودانية، والتي أنشأتها أصلًا بالتعاون مع بريطانيا إبان حقبة الاستعمار، تحت مسمى “قوة دفاع السودان”، التي لم تُبنَ لحماية مصالح السودان، بل لضمان الجباية وتنفيذ الأوامر الاستعمارية.
أدوات الهيمنة الناعمة: الفن والأدب والدعاية.
مارست مصر أيضًا أشكال الهيمنة الناعمة، بإنتاج خطاب ثقافي وفني يُرسّخ ارتباطًا زائفًا مع السودان، من خلال أغنيات كـ”مصر يا أخت بلادي”، ومفاهيم كـ”وادي النيل” و”أبناء النيل”، وغيرها من الرموز التي تهدف في جوهرها إلى تغليف الهيمنة الاقتصادية والسياسية بطابع وجداني مضلل.
تدخل مباشر وانقلابات مقصودة:
مصر متهمة بإدخال عملات مزورة بعد ثورة ديسمبر للحصول على السلع السودانية بالمجان، وبتشييد طرق برية لتمكين تدفق المواد الخام إلى مصانعها. كما رفضت علنًا مبادرات رئيس الوزراء عبد الله حمدوك خلال زيارته للقاهرة في 2021، والتي دعا فيها إلى معالجة قضايا جوهرية مثل تقنين التجارة الثنائية واستخدام العملات الحرة، والتفاوض بشأن السيادة على حلايب وشلاتين.
كل هذه التحركات دفعت مصر إلى دعم انقلاب 25 أكتوبر 2021، وتسريع عزل حمدوك، لأنه هدّد المصالح الاقتصادية والسياسية المصرية في السودان.
اتهامات بإشعال الحرب وتدمير البنية التحتية:
هناك اتهامات واسعة لمصر بالتورط في إشعال الحرب الحالية في السودان، بدءًا من إدخال طائرات عسكرية إلى قاعدة مروي لدعم القوات المسلحة ضد الدعم السريع، مرورًا بتدمير متعمّد للبنية التحتية والمصانع السودانية، بما يتيح لها لاحقًا التوغل تحت ذريعة “إعادة الإعمار”.
وتشير تحليلات خبراء مصريين إلى أن إشعال الحرب كان وسيلة لتجاوز أزمة المياه التي سبّبها سد النهضة، عبر تحويل حصة السودان من مياه النيل إلى مصر، مستغلة انشغال السودان في أتون الحرب.
انتداب مقنّع على القرار السوداني:
مصر لن تترك السودان ما لم تكن وصيًا على القرار السياسي فيه. وهكذا تمارس دور “دولة انتداب سوداني” غير معلن، تتحكم في أدوات القوة، وتوجّه مستقبل السودان بما يخدم مصالحها أولًا، لا مصلحة الشعب السوداني.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.