عرفت السياسة السودانية، كحال كثير من الدول التي تحاول الانتقال من نُظم ما بعد الاستعمار، جدلاً مستمرًا بين ما هو قديم وما يسعى الناس لاستحداثه ليعبّر عن تنوّع المجتمع ورغباته وقيمه.
وبين القديم والجديد، انقسم السودانيون في رؤيتهم لإحداث التغيير إلى مسارين رئيسيين:
أولاً: دعاة الإصلاح
يمثّل هذا التيار قطاعًا ليس بالقليل من السودانيين الذين ينادون بما يُعرف بـ”الإصلاح”، أي الإبقاء على المؤسسات القائمة، مع إدخال تعديلات شكلية على بنيتها أو تغيير الوجوه التي تديرها، لتبدو وكأنها قد خضعت لعملية إصلاح.
يرى هؤلاء أن التغيير يمكن أن يتحقق دون المساس بجوهر النظام أو هيكله المؤسساتي. وغالبًا ما ينتمي هؤلاء إلى النخب التي لها مصلحة مباشرة في بقاء تلك المؤسسات على حالها، ومنهم:
النخبة العسكرية داخل المؤسسة العسكرية، والنخبة السياسية في مختلف الأحزاب، من أقصى اليمين إلى اليسار، والتي نشأت وترعرعت في ظل اختلالات هذه الدولة، واستفادت من بقائها
ثانيًا: أنصار التغيير الشامل
يمثل هذا التيار من يطالبون بإعادة بناء الدولة من الأساس، وتفكيك البنى المختلة لمؤسساتها، وإنشاء مؤسسات جديدة تعبّر عن الجميع، وتقوم على أفكار حديثة تعكس التنوّع السوداني وتعالج جذور الأزمة.
ومن أبرز الممثلين لهذا الاتجاه: الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور.
وهاتان الحركتان ظلّتا متمسكتين بمواقفهما تجاه التغيير الجذري، ولم تنخرطا في تسويات تُبقي على جوهر النظام القديم.
كما تبنّت العديد من الجمعيات والمنظمات الشبابية، وأصوات في قوى الثورة، دعوات مماثلة لإحداث تغيير حقيقي يرسم ملامح دولة جديدة، تقوم على العدل والحرية والديمقراطية.
إصلاح أم تغيير جذري؟
ما بين الإصلاح الشكلي والتغيير الجوهري، تبرز الحاجة المُلحّة إلى التأسيس الجديد. فحالة المؤسسات السياسية والعسكرية في السودان وصلت إلى مرحلة لا يمكن إصلاحها بمساحيق التجميل، بل تحتاج إلى إعادة بناء شاملة تُحقق تطلعات الشعوب السودانية المتعددة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.