الكوليرا: تحصد مئات الأرواح في شمال دارفور، ومصير 640 ألف طفل في مهب الجوع وسوء التغذية
تقرير - عين الحقيقة
في خضم الصراع الدموي المشتعل منذ عام ونيف في إقليم دارفور، لا سيما مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، ثمة كارثة إنسانية غير مسبوقة بدأت تطفو على السطح، حيث تواجه مئات الآلاف من المواطنين أوضاعاً مأساوية تهدد بقاءهم، في وقت حذرت فيه منظمات دولية، أممية من تفاقم الأوضاع الصحية والغذائية وسط الأطفال وكبار السن، لجهة ضراوة وباء الكوليرا التي بدأت تتفشى في الإقليم بصورة مريعة.. حيث أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” أن إجمالي الإصابات المؤكدة بوباء الكوليرا في ولايات دارفور الخمس تتجاوز 2,140 حالة حتى نهاية يوليو الجاري، من بينها 80 حالة وفاة.
طبيب عمومي يعمل في أحد مستشفيات ولاية شمال دارفور: نشاهد يومياً عشرات الحالات من الكوليرا، عدد منها يصل متأخراً بسبب صعوبات الوصول
وسجلت محلية طويلة، التابعة لولاية شمال دارفور، وحدها أكثر من 1,180 إصابة، نحو 300 حالة منها الأطفال، علاوة على 20 حالة وفاة، منذ تسجيل أول حالة في 21 يونيو المنصرم.
وفي حديث لصحيفة “عين الحقيقة”، قال طبيب عمومي يعمل في أحد مستشفيات ولاية شمال دارفور، فضل عدم ذكر اسمه: إنهم يشاهدون يومياً عشرات الحالات من الكوليرا، عدد منها يصل متأخراً بسبب صعوبات الوصول، علاوة على عدم وجود مرافق صحية قريبة، مضيفاً: للأسف، معظم الضحايا من الأطفال المصابين بسوء التغذية، ما يجعلهم غير قادرين على مقاومة العدوى.
وفي ضوء ذلك، أبانت منظمة اليونيسف في بيان أن محلية طويلة بولاية شمال دارفور باتت تستضيف أكثر من 500,000 نازح، فروا من مناطقهم على خلفية تصاعد معدلات العنف منذ أبريل الماضي.
وتابعت: المنظمة الأممية في البيان إن النزوح المكثف فاقم من التكدس السكاني في منطقة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الأساسية، ما ساهم في انتشار الأوبئة وتدهور الوضع الصحي.
وقالت: مناهل علي يوسف، المتطوعة في منظمة العين للسلام والتنمية العاملة بولاية شمال دارفور: إن النازحين يعيشون في ظروف إنسانية معقدة لا تليق بحياة البشر، مضيفة: لا مياه نظيفة، ولا أدوية، مشيرة إلى وجود صعوبات في السيطرة على الاوضاع الصحية دون تدخل مباشر من المنظمات الدولية والأممية.
وبشأن الأوضاع الإنسانية المزرية وسط الأطفال في ولاية شمال دارفور، تُفيد منظمة اليونيسف في بيانها أن أكثر من 640,000 طفل دون سن الخامسة مهددون بمخاطر العنف، والمرض، وسوء التغذية في شمال دارفور وحدها، بينما تضاعف عدد المصابين بسوء التغذية الحاد خلال عام واحد فقط من اشتعال الصراع.
أخصائية التغذية (ع، م، ع) التي تعمل ضمن شبكة الإغاثة والتنمية العاملة بالولاية: إن الجوع يجعل الجسم أضعف في مواجهة أي مرض..
ولتشخيص لحالة الأوضاع الصحية لدى الأطفال، تقول أخصائية التغذية (ع، م، ع) التي تعمل ضمن شبكة الإغاثة والتنمية العاملة بالولاية: إن الجوع يجعل الجسم أضعف في مواجهة أي مرض، مستطردة: لذا أن الأطفال المصابين بسوء التغذية لا يستطيعون مقاومة الكوليرا، وفي الغالب يموتون خلال ساعات من الإصابة إن لم يتلقوا علاجاً.
إلى ذلك، أوضح شيلدون ييت، ممثل اليونيسف في السودان، في بيان أن الكوليرا مرض يمكن الوقاية منه وعلاجه بسهولة، إلا أنها بدأت تنتشر بسرعة في محلية طويلة إلى جانب مناطق أخرى من إقليم دارفور، مضيفاً: مهددة حياة الأطفال، خصوصاً الأصغر سناً والأكثر ضعفاً.
وأضاف قائلاً: “نعمل بلا كلل مع شركائنا لاحتواء التفشي وإنقاذ الأرواح، غير أن استمرار العنف يزيد من الاحتياجات بوتيرة أسرع مما يمكننا تلبيته، داعياً إلى الاستجابة الإنسانية بصورة عاجلة، لعدم قدرة الأطفال على الانتظار والتحمل كثيراً.
وأعرب مراقبون عن بالغ قلقهم إزاء ما يجري من انهيار تام في المنظومة الصحية لإقليم دارفور، وسط عجز تام عن احتواء الأزمة.
وأستدرك المراقبون: أن مرض الكوليرا ليست مجرد وباء، بل نتيجة مباشرة لانعدام الدولة في ظل استمرار الحرب في كل بقاع الإقليم، لا توجد سلطة صحية موحدة، ولا موازنات طوارئ، ولا شفافية في التعامل مع الوضع.
وأشار المراقبون إلي أن ما يحدث الآن هو نتيجة طبيعية لتآمر حكومة بورتسودان تجاه إدارة الأزمة الصحية والإنسانية في مناطق النزاع.
المنظمات الدولية والمحلية ظلت تتواصل في إرسال نداءات الاستغاثة، إلا أن حكومة الأمر الواقع ببورتسودان لا زالت تلتزم الصمت المطبق..
ووفقاً لتقارير صحفية اطلعت عليها “صحيفة عين الحقيقة،، أن المنظمات الدولية والمحلية ظلت تتواصل في إرسال نداءات الاستغاثة، إلا أن حكومة الأمر الواقع ببورتسودان لا زالت تلتزم الصمت المطبق، وسط غياب تام لأي خطة استجابة وطنية للطوارئ.
وكشفت المنظمات الدولية أنها فشلت في تقديم المساعدات الإنسانية، بشأن الأوضاع الأمنية التي لا تسمح بتحرك الفرق الطبية في الكثير من مناطق دارفور.. ومن جهة أخرى، تركز حكومة بورتسودان حفاظاً على أولوياتها السياسية والعسكرية أكثر من اهتمامها بالأزمات الإنسانية للمواطنين.
وعلى صعيد الأوضاع الإنسانية في الإقليم، جددت منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة، دعوتها مراراً إلى جميع الأطراف المتصارعة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بصورة آمنة وعاجلة إلى الأطفال في مخيمات النزوح في شمال دارفور، خاصة محلية طويلة وجميع ولايات دارفور، لمنع فقدان مزيد من الأرواح الصغيرة.
ويرى فاعلون بمنظمات المجتمع في إقليم دارفور أن الاستجابة الدولية وحدها لن تكفي، ما لم يُفتح المجال أمام فرق الإغاثة الدولية والأممية للوصول دون عوائق، مع ضرورة تفعيل آليات محلية للإنذار المبكر والاستجابة السريعة.
وبينما تستمر نداءات الاستغاثة من كل أرجاء إقليم دارفور، يبقى مصير الآلاف من الأطفال معلقاً على خيط رفيع من الأمل، في منطقة يلتهمها العنف منذ العام 2003، وينهشها المرض، والخوف، والفقر المدقع، ومع غياب كامل لمؤسسات الدولة لعقود انصرمت.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.