هل تبيع سلطة بورتسودان السودان لمصر مقابل البقاء في الحكم؟

عبدالرحمن العمرابي

 

بقلم: عبدالرحمن العمرابي

في خضم الفوضى السياسية التي تعصف بالسودان، يطفو على السطح سؤال خطير: هل تتحول مطامع مصر وخيانة سلطة بورتسودان إلى صفقة لبيع السودان وخيراته، مقابل بقاء الانقلابيين على عرش الحكم؟
سلطة بورتسودان، التي تمثل بقايا حكومة الإسلامويين ومن تبعهم من المنتفعين، لم تعد تخفي ولاءها العقائدي والمصلحي على حساب الولاء الوطني.

فهؤلاء، رغم انتمائهم للسودان أرضًا وشعبًا، باعوا أنفسهم لأجندات خارجية، متجاهلين أن السودان دولة معترف بها دوليًا، ذات سيادة كاملة، وحدود موثقة باتفاقيات وخرائط رسمية لا يختلف عليها عقلاء الدنيا.

السودان، كدولة ذات سيادة، ليس سلعة معروضة في أسواق السياسة، ولا يحق لجماعات أيديولوجية ضيقة أن تقدم ولاء الإسلاموي القادم من الجزائر أو جيبوتي أو تركيا على المواطن السوداني في بلده.

وفي المقابل، تعيد القاهرة إحياء إرث قديم في علاقتها بالسودان، حيث تشتري ما يُنهب من خيراته على يد لصوص بورتسودان بثمن بخس، وهي على علم كامل بمصدره غير المشروع.

الأمر لا يقف عند حدود الطمع الاقتصادي؛ فالتاريخ يعيد نفسه. مصر التي لم تنل استقلالها الكامل بعد – إذ كان ما جرى جلاءً لا تحررًا – تعود اليوم إلى عقلية السلطة العثمانية التي حكمتها وما زالت تؤثر على سياستها المركزيه، فتنظر إلى السودان كمخزن ذهب وعبيد، تمامًا كما فعل محمد علي باشا.

هذه العقلية تجد صدى في جرائم الحاضر، من دعم سلطات فاقدة للشرعية إلى الاشتراك او التغاضي عن قصف المدنيين السودانيين في الخرطوم ونيالا وود مدني، على غرار ما جرى في الجزيرة أبا في مطلع السبعينات وحكم الانقلابيين في زمن جعفر نميري.

هذه الأفعال تقوّض أي أمل في بناء علاقة ندية بين الشعبين، مهما حاولنا الفصل بين الشعوب والأنظمة. فما تقوم به السلطة المصرية اليوم هو مسار محفوف بالمخاطر، ليس فقط على السودان، بل على مصر نفسها، إذ يهدد بعزلها عن محيطها الاستراتيجي في وادي النيل والبحر الأحمر، في وقت تتشكل فيه تحالفات إقليمية ودولية جديدة لا تقبل بالوصاية.

السودان، رغم جراحه، يمتلك فرصة التحول إلى قوة اقتصادية وشريك يحظى بالاحترام على الساحة الدولية، عبر بناء علاقات متوازنة مع القوى الكبرى والاقتصادات العالمية، بعيدًا عن دائرة التبعية.

هذا المسار يضمن للسودان سيادته وحدوده وحقه في إدارة ثرواته، وهو ما يتناقض جذريًا مع الرؤية المصرية الحالية التي تضعه في خانة التابع.

هل سيتجه السودان إلى الانخراط الفعال في الحراك الدولي بعيدًا عن أي تكامل سياسي غير متوازن مع مصر؟ وهل يكون التعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل، في إطار تأمين البحر الأحمر، خطوة على طريق تثبيت سيادة السودان واحترام حدوده، وضمان حرياته، حتى لو كان ذلك على حساب علاقاته التقليدية مع القاهرة؟

إذا واصلت الحكومة المصرية هذا النهج، فإنها تدفع العلاقات مع السودان نحو قطيعة تاريخية قد يصعب ترميمها. العلاقة التي بنيت على روابط الدم والجغرافيا مهددة اليوم بالانهيار تحت وطأة صفقات مشبوهة وتحالفات قصيرة النظر.

أيها السودانيون، إن وطنكم اليوم على مفترق طرق. لا تسمحوا لسلطة بورتسودان الانقلابية أن ترهن مستقبلكم ومقدراتكم لأي قوة خارجية. ابنوا تحالفات مع من يحترمكم كشركاء، لا كتوابع. فالسودان ليس للبيع، وتاريخه ليس ورقة مقايضة، ومستقبله لن يكتبه إلا شعوبه.

إن ساعة الاختبار قد دقت، وإرادتكم هي السلاح الحقيقي في معركة البقاء. فلتكن كلمتكم واحدة: “السودان لنا، ولن نسمح بخيانته أو بيعه.”

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.