الــكلى بيـــن الإهمــال والفـــساد

سليم محمد عبدالله

فــــي غيــــاب الإدارة الرشيــــدة، تتحـــــول الأمـــانة إلى عـــــبء، ويصبح الأمل في التغيير مجرد سراب. هكذا يبدو المشهد في مراكز غسيل الكلى بولاية الخرطوم، التي تعيش أزمة إدارية ومالية وصراعات عميقة تهدد بحياة آلاف المرضى وتستنزف تضحيات العاملين. وبينما تلوح في الأفق بوادر عودة الإدارة القديمة، يتجدد السؤال::::؟؟؟

هـــــل ســــيدفع المـواطـــن فاتورة تدوير الأزمات، أم أن هناك من يجرؤ على كسر هذه الدائـــرة المــــفــــرغة::::::؟

وعـــد مجـــاني يواجــــه واقــــعأ مــــريرًا

عنــدما أصـــدر رئيــــس مجـــلس الوزراء قراره بمجانية علاج مرضى الكلى، تنفس الكثيرون الصعداء، معتقدين أن المعاناة المالية قد انتهت. لكن الواقع الميداني يروي قصة أخرى. فما زال المرضى يرزحون تحت وطأة التكاليف الباهظة للفحوصات والأدوية، بما في ذلك المستلزمات الضرورية لجلسات الغسيل مثل “دربات الملح” وأدوية الطوارئ. هذا التناقض الصارخ بين القرار الحكومي والتطبيق الفعلي يثير علامات استفهام حول جدية الجهات المعنية في إنقاذ حياة هؤلاء المرضى، الذين يعتمدون على هذه المراكز لضمان استمراريتهم

تــــضحـــيات مهـــدرة وكفــــاءات مهمشــــة
أكــــثر مــن ثلاثة أعوام مضوا والعاملون في مراكز غسيل الكلى يثبتون إخلاصهم وتفانيهم. منذ 15 أبريل 2023، ظلوا يواجهون التحديات دون كلل أو ملل، ومع ذلك، لم يتم تقديرهم، ولم يتم صرف مستحقاتهم المالية. هذا الإهمال لا يتوقف عند الجانب المادي، بل يتعداه إلى تجاهل أبسط مقومات الحياة، مثل توفير الوجبــات و وســـائل الترحــــيل.

وما يزيد المـــشهد قتامة هو استخدام التهديد والتصنيف السياسي لإسكاتهم كلما طالبوا بحقوقهم. لقد تحولت الإدارة إلى ساحة للصراعات وتصفية الحسابات، بدلاً من أن تكون بيئة داعمة ومحفزة. هذا النهج ليس فقط غير مهني، بل هو إهدار لتضحيات العاملين، وتضييع لجهودهم التي لا تقــدر بثـــمن.

 

خــلل إداري ومخالــــفات فاضـــحة

تتــــجاوز المشـــكلة الحاليـــة مجرد سوء الإدارة إلى وجود مخالفات هيكلية فاضحة. فمدير إدارة الكلى الموجود الآن لا يشغل وظيفة رسمية في وزارة الصحة، وهو ما يعد انتهاكًا لقرار الوالي الذي يشترط أن يكون لمدير الإدارة وظيفة رسميــــــة.

بالإضـــافة إلى ذلك، فإن المــــعايير المهــــنية غائبة تمامًا في التعيينات. يتجسد هذا الخلل في وجود مهندس يعمل بدون شهادة جامعية ويتقاضى راتباً أعلى من زملائه المؤهلين الذين يحملون شهادات عليا. هذا الظلم لا يقوض مبدأ الكفاءة فحسب، بل يزرع شعورًا عميقًا بالإحباط لدى العاملين، ويؤثر سلباً على جودة الخدمة المقدمة للمرضي ::

نــــداء عاجل للإنــــقاذ والمـــحاسبــــة
إن استمرار هذا الوضع ينذر بكارثة حقيقية. إن عودة الوجوه القديمة لن تكون سوى تكرارًا لتجربة فاشلة، وإعادة للوضع إلى نقطة الصفر. يتطلب الأمر تدخلاً عاجلاً من الجهات العليا، وإعادة هيكلة شاملة للإدارة، وتطبيق مبدأ المحاسبة على كل من تسبب في هذا الـــتدهـــــور.

يــــجب عـــلى صحـــة ولايـــة الخرطــــوم أن تتحمل مسؤوليتها كاملة، وتوفر كل ما يلزم لإنقاذ حياة المرضى، وتكريم العاملين الذين ضحوا بالكثير في سبيل مهنتهم. إن صحة المواطنين وكرامة العاملين ليستا مسائل يمكن التساهل فيها. فهل ستستجيب الجهات المعنية لهذا النداء، وتتخذ إجراءات حقيقية لإنهاء هذه المعاناة، أم ستظل هذه المراكز سجينة الإهمال والتخبــــط

فــــي الوقـــت الذي تُــــقاس فــــيه قـــوة الأنظـــمة الصـــحية بعـــــدد من تُنــــــقذهم من المرض، نــــجد أن مــــراكز غســــــيل الكـــــلى بولايــــة الخرطـــــوم تتـــــحول إلى ساحات لمـــــعاناة يوميـــــة. هنا لا تُكـــــتب تــــقارير طبية لنــجــــاح ولا تُســـــجل إنجازات في دفاتــــر وزارة الصحة ، بل نـــــحرَّر شهـــــادات وفــــاة، ويُـــترك المــــرضـــى والعــــاملون فـــي مـــواجـــهة إهــــمال إداري قـــاتل، يلــــتهم ما تــــبقى مـــن الأمـــل

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.