قرار إحالة ضباط الجيش للمعاش.. خطوة للتطهير من الولاءات العقائدية.. أم تكريس لقبضة القائد العام عبدالفتاح البرهان

تقرير - عين الحقيقة

في خطوة اعتبرها مراقبون الأوسع منذ اشتعال الحرب أبريل، حينما أصدر الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة، قراراً قضى بإحالة عدد من ضباط الجيش وضباط جهاز المخابرات إلى التقاعد، معظمهم ممن يُعرف ارتباطهم بالحركة الإسلامية التي شكلت تاريخياً كعمود فقري لنظام الرئيس البائد عمر البشير.

على الرغم من أن الإسلاميين فقدوا السلطة السياسية المباشرة منذ سقوط البشير في العام 2019، إلا أن نفوذهم في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ظل قائماً..

القرار في حيثياته أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والعسكرية لحكومة بورتسودان، ليس فقط بسبب حجم الإحالات، وإنما لكونها استهدفت مجموعة محسوبة على تيار سياسي بعينه ظلت لثلاث عقود جزءاً من منظومة الحكم في البلاد، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول أهداف البرهان وخططه في المرحلة المقبلة.

وبالإستناد علي خلفية القرار المتخذ من قبل قائد الجيش، ظلت العلاقة بين المؤسسة العسكرية والحركة الإسلامية محل شد وجذب.. فعلى الرغم من أن الإسلاميين فقدوا السلطة السياسية المباشرة منذ سقوط البشير في العام 2019، إلا أن نفوذهم في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ظل قائماً بدرجات متفاوتة.

ومع اندلاع حرب 15 أبريل 2023، بين الجيش وقوات الدعم السريع، أعاد الإسلاميون تموضعهم في الجيش باعتبارهم حلفاء طبيعيين للقائد العام الفريق أول ركن البرهان، في مواجهة خصمه قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، بل إن كثيراً من التقارير أشارت إلى الدور البارز للحركة الإسلامية عمليات التعبئة والتجنيد، واشعال فتيل حرب 15أبريل.

خبراء عسكريون:  بدأت مؤشرات الخلاف والاختلاف بين قائد الجيش الفريق أول ركن البرهان، وبعض القيادات الإسلامية الفاعلة في المشهد العسكري في الظهور، لا سيما مع تزايد نفوذهم في مفاصل الجيش والأجهزة الأمنية..

ومن واقع الأمر يرى خبراء عسكريون مع مرور الوقت، بدأت مؤشرات الخلاف والاختلاف بين قائد الجيش الفريق أول ركن البرهان، وبعض القيادات الإسلامية الفاعلة في المشهد العسكري في الظهور، لا سيما مع تزايد نفوذهم في مفاصل الجيش والأجهزة الأمنية، ما جعل البرهان يرى في الأمر تهديداً لسلطته المباشرة.

ويضيف الخبراء: أن قرار الإحالات جاء في لحظة شديدة الحساسية؛ إذ يخوض الجيش معارك ضارية ضد الدعم السريع في ولايات دارفور وكردفان، بينما تواجه البلاد أزمة إنسانية، واقتصادية خانقة، مشيرين إلي أن البرهان اختار هذا التوقيت بصورة ليست بريئة، بل يعكس رغبته في إعادة ترتيب البيت الداخلي للجيش وتأمين ولاءات ضباطه قبل حسم المعركة أو الدخول في أي تسوية سياسية محتملة بينه وقوات الدعم السريع.

وفي السياق يقول: الخبير العسكري اللواء المتقاعد “ع. م. ع”لصحيفة عين الحقيقة، إن البرهان يدرك جيداً أن استمرار وجود ضباط ذوي انتماءات عقائدية داخل الجيش يقيد حركته في اتخاذ قرارات مصيرية، مؤكداً أن البرهان اختار أن يوسع دائرة سلطته ويقطع الطريق أمام أي نفوذ موازي يمكن أن يشكل تهديداً لموقعه في قيادة الجيش.

مراقبون: القرار يُعد خطوة تصحيحية تهدف إلى إبعاد الجيش عن الولاءات السياسية، والعقائدية التي كبلته لثلاث عقود، وعملية، تحجيم نفوذ الإسلاميين في الجيش خطوة ضرورية..

وفي ضوء ذلك، يرى فريق من المراقبين الميدانين أن القرار يُعد خطوة تصحيحية تهدف إلى إبعاد الجيش عن الولاءات السياسية، والعقائدية التي كبلته لثلاث عقود، مشددين الي أن عملية، تحجيم نفوذ الإسلاميين في الجيش خطوة ضرورية لتأسيس جيش قومي مهني، قادر على إدارة مرحلة ما بعد نهاية الحرب، بعيداً عن الصراعات الأيديولوجية.

بيد أن بالضفة الأخرى، يقرأ محللون آخرون القرار باعتباره جزءاً من خطة أوسع لتكريس سلطة البرهان شخصياً.. فالرجل حسب قولهم لا يسعى لتجريد الجيش من الولاءات السياسية بقدر ما يريد تحييد خصومه المحتملين داخل الجيش، منوهين الي أنه ينوي إعادة تشكيل الجيش على غرار ما فعله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد إزاحته جماعة الإخوان المسلمين عام 2013.

وبدوره، أبان محلل سياسي فضل عدم ذكر اسمه ل”عين الحقيقة، أن البرهان يتبنى مقاربة أقرب لسيناريو مصر؛ فهو يوسع قبضته على مفاصل الدولة، ويطيح بالتيارات الإسلامية التي ساعدته في البداية، ثم يعيد بناء الجيش تحت قيادته المطلقة، مستدركاً؛ الفارق في القرار أن ظروف السودان السياسية والإجتماعية مختلفة ومعقدة من القاهرة، وقد لا تسمح بتكرار النموذج المصري حرفياً.

الي ذلك، يلفت المحلل السياسي إلي أن قائد الجيش يتخذ قراراته، بالنظر للحسابات العسكرية والسياسية، مستطراً “لا يمكن النظر لقرار الإحالات بمعزل عن الحسابات السياسية التي تفرضها المرحلة، مبيناً أن الفريق البرهان يعمل إلى طمأنة القوى الإقليمية والدولية، خاصة القاهرة والرياض اللتان تتحفظان على النفوذ الإسلامي في الجيش، مضيفاً سيما في الوقت نفسه، يبعث برسالة إلى الداخل مفادها أنه القائد الأوحد للجيش السوداني بلا منازع.

محلل سياسي: القرار قد يُقرأ كجزء من ترتيبات مستقبلية لأي مفاوضات لإنهاء الحرب،، مرجحاً عدم قبول المجتمع الدولي بوجود ثقل مؤثر للإسلاميين بالجيش في أي تسوية سياسية مقبلة

وتابع المحلل السياسي: أن القرار قد يُقرأ كجزء من ترتيبات مستقبلية لأي مفاوضات لإنهاء الحرب،، مرجحاً عدم قبول المجتمع الدولي بوجود ثقل مؤثر للإسلاميين بالجيش في أي تسوية سياسية مقبلة، وهو ما يدركه البرهان جيداً.

وفي سياق متصل، أفادت تقارير إعلامية محسوبة للإعلام العسكري أن التحدي الأكبر يكمن في تداعيات قرار البرهان علي وحدة الجيش نفسه، وأشارت إلي أن التخلص من ضباط مؤثرين ذوي خبرة طويلة قد يخلق فراغاً مهنياً، بالإضافة إلي دفع العناصر المهمشة من هولاء الضباط يدفعهم إلى البحث عن تحالفات بديلة، والانخراط في صراعات جانبية.

وحذرت التقارير الإعلامية من مغبة الإسلاميين، الذين فقدوا مواقعهم السياسية علي خلفية ثورة ديسمبر، لن يتقبلوا بسهولة خسارة آخر معاقل نفوذهم في الجيش، الشرطة، وجهاز المخابرات، ما قد يدفعهم إلى تبني مواقف أكثر تصلباً ضد البرهان في المستقبل.

ثمة أسئلة مفتوحة حرياً بأن تطرح في الوقت، لعل المراقبون والمهتمون بمآلات قرار البرهان منقسمون: بينهم من يصف قرار البرهان بالخطوة الإصلاحية للجيش، ومن يراه تكريساً للديكتاتورية، بالتالي بات في حكم المؤكد أن قائد الجيش يتحرك في الوقت وفق معادلة معقدة تحكمها الحسابات العسكرية والسياسية في آن واحد…فإحالات ضباط بارزين من الجيش والمخابرات قد تعيد رسم موازين القوى داخل الجيش، غير أنها تفتح في الوقت نفسه” أسئلة كبرى حول مستقبل الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان بالفعل نحو تأسيس جيش قومي مهني خال من الولاءات العقائدية؟؟..أم أنه يعيد إنتاج نموذج سلطوي أشبه بما حدث في مصر، حيث يختزل الجيش والدولة في شخص الحاكم؟؟…وما انعكاس ذلك كله على مسار الحرب وفرص الوصول إلى تسوية سياسية تنهي معاناة السودانيين؟

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.