الفاشر مدينة تتنفس الرماد وتحاصرها الجوع والرصاص

تقرير - عين الحقيقة

تحولت مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور آخر معاقل الجيش والقوات المشتركة في الإقليم إلى ساحات، لمعارك مفتوحة بين قوات تأسيس، والجيش وقواته المساندة، ما أدى إلى انهيار شبه كامل للوضع الإنساني والصحي، واتساع نطاق المعاناة والمآسي الإنسانية وسط المدنيين. ووفقاً لخبراء عسكريين تحدثوا: لـ(عين الحقيقة)، فإن ما يحدث في الفاشر ليس مجرد معركة عسكرية، بل حرب استنزاف بين طرفين تتداخل فيها الأبعاد العسكرية مع السياسية، والاجتماعية على حساب المدنيين، الذين وجدوا أنفسهم عالقين بين نيران المعارك، وأنياب الجوع، وأصوات الغارات الجوية للجيش، ودوي المدافع الثقيلة.

خبير عسكري: قوات التأسيس تتبع في الفاشر تكتيك الحصار الكامل بهدف الإنهاك، مستفيدا من الطوق الجغرافي الذي فرضته قواته على المدينة من تجاه الشرق والجنوب والغرب في حين يبقى المنفذ الشمالي مكشوفاً جزئياً لخنق الجيش والمشتركة ببطء

وفي سياق معارك الفاشر، يرى خبير عسكري متقاعد فضل حجب اسمه، أن قوات التأسيس تتبع في الفاشر تكتيك الحصار الكامل بهدف الإنهاك، مستفيدا من الطوق الجغرافي الذي فرضته قواته على المدينة من تجاه الشرق والجنوب والغرب، في حين يبقى المنفذ الشمالي مكشوفاً جزئياً لخنق الجيش والمشتركة ببطء، عبر قطع الإمدادات، حتي تتسني لها ضرب المعاقل العسكرية للجيش، وتفكيك الإرتكازات والخنادق المحفورة بدقة في عمق الارض.

وطبقاً لتقارير المنظمات الإنسانية الإغاثية أن حفر الخنادق، ووضع الارتكازات العسكرية في نواحي المدينة، أعاقت مسارات العمل الإنساني، وشلت تحركات الفرق الميدانية للمتطوعين لإنقاذ المدنيين العالقين بوسط وأطراف المدينة.

وأشارت التقارير إلي أن القوافل الإنسانية لم تدخل الفاشر لإكثر من 20 شهراً، رغم مناشدة المنظمات الدولية والأممية، من جراء تدهور الوضع الإنساني في المدينة ومحيطها، حيث تنتشر مخيمات النازحين الذين استخدمتهم القوات المشتركة والجيش دروعاً بشرية لأكثر من 20 شهراً.

وبشأن استخدام الجيش والقوات المشتركة لمخيمات النازحين كمعاقل عسكرية، شهدت مخيمات النزوح الكبرى لا سيما المحيطة بالمدينة “زمزم، أبو شوك” موجات عنف صادمة خلال الأشهر الماضية.

لذلك، وثقت المنظمات الدولية تقاريرها، وقوع معارك ضارية في داخل مخيمات النازحين لوجود إرتكازات الجيش والقوات المشتركة داخل المخيمات، ما أسفرت عن مئات القتلى والجرحي معظمهم من النساء والأطفال.

ناشط: المخيمات باتت ليست آمنة ولا حتى تحت الأرض، مستطرداً منذ مطلع أغسطس المنصرم سقط أكثر من 30 قتيلاً في مخيم أبو شوك وحده إزاء إصرار الجيش والمشتركة، لخوض المعارك من محيط المخيمات

وفي السياق، أبان ناشط بمنظمات المجتمع من مخيمات النازحين فضل عدم كشف هويته، أن المخيمات باتت ليست آمنة ولا حتى تحت الأرض، مستطرداً منذ مطلع أغسطس المنصرم سقط أكثر من 30 قتيلاً في مخيم أبو شوك وحده إزاء إصرار الجيش والمشتركة، لخوض المعارك من محيط المخيمات، مضيفاً أن منظمة اليونيسف وصفت الحرب في الفاشر بأنها واحدة من أسوأ المآسي الإنسانية على الأطفال والنساء منذ إشتعال الصراع في الإقليم.

ومن واقع العمليات الميدانية في الفاشر، أكدت مصادر عسكرية أن الجيش بات يواجه معارك مستمرة في مواجهة قوات تأسيس، مما أدي الي انهيار معنوياتها الداخلية وتآكل قواها العسكرية، مشيرين إلي أن هنالك وحدات من الجيش تتحصن في مقر قيادة الفرقة السادسة والمطار لأكثر من عامين لكن انقطاع خطوط الإمداد، جراء الحصار المفروض عليهم من قوات تأسيس، حطمت القوي الدفاعية للجنود الذين باتوا يعتمدون على موارد شحيحة.

بيد أن ثمة خبراء عسكريون يعتبرون تفوق الجيش والقوات المشتركة في التحصينات العسكرية، لم يمكنهم من استهداف الأسلحة الثقيلة التي تعتمد عليها، قوات تأسيس التي أصبحت تراهن على حرب العصابات، لتفكيك قلاع الجيش والقوات المشتركة، واستنزاف طاقاتهم وثباتهم الدفاعي مع مرورالوقت.

وتابع الخبراء: رغم صمود مدينة الفاشر لأكثر من 20 شهراً، لكن الروح المعنوية للجيش، القوات المشتركة، والمستنفرين بدأت تتآكل، مشيرين الي هروب وفرار مئات المقاتلين إلى خارج المدينة، بينما يحاول آخرون الفرار إزاء عدم توفر الماء، وطهي أوراق الأشجار وأكل مخلفات الحيوانات” الأُمباز” للبقاء.

وعلي صعيد الوضع الصحي في الفاشر، أفادت طبيبة عمومية، تعمل في المستشفى السعودي أن مخزون الأدوية انتهى من العام الماضي، مستدركاً الآن: نستخدم بدائل أولية، أو نكتفي بتسكين الآلام دون علاج. وفي ذات الإتجاه، أشارت منظمة أطباء بلا حدود في بيان سابق إلى أنها اضطرت إلى إيقاف العمل في مستشفى مخيم زمزم علي عقب المعارك الأخيرة.

أطباء بلا حدود: تفشى وباء الكوليرا في الفاشر، أدي إلى وفاة أكثر من 180 شخصاً في أقل من شهر، علاوة على شح مياه الشرب وتوقف محطات التنقية.

ومن جانب آخر، ذكرت المنظمة في بيانها أن تفشى وباء الكوليرا في الفاشر، أدي إلى وفاة أكثر من 180 شخصاً في أقل من شهر، علاوة على شح مياه الشرب وتوقف محطات التنقية.

إلى ذلك، أوضح مراقبون محليون أن الحرب في الفاشر تجاوزت البعد العسكري إلى صراع اجتماعي، مشيرين إلي تقارير ميدانية تتحدث عن وجود نزاعات قبلية ممتدة بخلفيات اجتماعية منذ عقود بين بعض مكونات الإقليم الإجتماعية.

وبدوره، أزاح ناشط حقوقي من أبناء الفاشر النقاب عن مآسي الاعتقالات العشوائية من قبل مخابرات الجيش القوات والمشتركة، بجانب تصفية حسابات شخصية من منطلق قبلي واجتماعي ممنهج لا تمت لقيم حقوق الإنسان بصلة، ما دفعت المنظمات الدولية إلى التحذير من خطر الانتهاكات في الإقليم على غرار ما حدث من قبل الجيش، إبان اندلاع حرب دارفور في عام 2003.

تمثل استمرار المعارك في داخل مدينة الفاشر اليوم قوام التوازنات العسكرية والسياسية للجيش والمشتركة، من جهة وقوات تأسيس من جهة أخري…وهي لم تعد مجرد مدينة محاصرة، بل مرآة لصراع واسع لأطراف حرب 15ابريل بأكمله، عطفاً علي أنها مأساة إنسانية، سياسية، وعسكرية، في ظل غياب أي أفق تفاوضي، أو تدخل دولي جاد نحو سلام شامل ينشل البلاد، من براثن نيران الحرب التي قادت الشعوب السودانية، الي السقوط البطيء، ليس بالرصاص فحسب، بل بالجوع، والخوف، والمرض.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.