رئيس وزراء السودان الجديد… من الحظر الإداري إلى تصنيف الارهابي للإخوان المسلمين

عمار نجم الدين

حينما نتأمل خريطة الإرهاب العالمي في العقود الثلاثة الأخيرة، نجد أن خيوطها تتقاطع جميعًا في نقطة واحدة: الخرطوم في تسعينيات القرن الماضي. هناك، على ضفاف النيل الأزرق، لم يكن السودان مجرد ملاذ، بل كان مختبرًا لإنتاج التطرف العابر للحدود. الخرطوم لم تستقبل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري كضيوف عابرين، بل حولتهم إلى جزء من مشروعها السياسي ــ مشروع الحركة الإسلامية السودانية، الذي جمع كل التنظيمات الجهادية تحت مظلة واحدة: المؤتمر الشعبي الإسلامي عام 1991. كان ذلك بمثابة “أمم متحدة للإرهاب”، حيث وُضعت اللبنات الأولى لشبكات ستغيّر وجه العالم: القاعدة، طالبان، وحركات جهادية في إفريقيا والشرق الأوسط.

ليست مصادفة أن تكون أولى ضربات الإرهاب ضد المصالح الأمريكية في نيروبي ودار السلام عام 1998 قد خططت جذورها في الخرطوم. وليست مصادفة أن آلاف السودانيين سيجدون طريقهم لاحقًا إلى معسكرات داعش في سوريا والعراق. فالحركة الإسلامية في السودان لم تكن تيارًا سياسيًا محليًا، بل الوعاء الفكري واللوجستي الذي أنجب القاعدة وداعش. وإذا كان العالم قد اكتشف الإرهاب في نيويورك ولندن ومدريد، فإن بذوره الأولى كانت قد زُرعت في الخرطوم.

الولايات المتحدة لم تتردد في إعلان القاعدة وداعش تنظيمات إرهابية بعدما هددت أمنها القومي. الاتحاد الأوروبي وضع عشرات الجماعات الصغيرة في قوائم الإرهاب لأنها هددت استقراره الداخلي. والأمم المتحدة تبنّت قرارات تحت الفصل السابع تلزم الدول بمحاصرة تمويل الإرهاب وتجفيف منابعه. فلماذا إذن يكتفي السودان الجديد بحظر نشاط الحركة الإسلامية إداريًا، بينما هي الأصل الذي خرجت منه كل هذه الفروع؟ إذا كانت القاعدة إرهابية لأنها فجّرت برجي التجارة، أليس من المنطق أن نصنّف الحركة الإسلامية السودانية كإرهابية، وهي التي صنعت البنية الفكرية والعسكرية التي أنجبت القاعدة نفسها؟

الأدلة أكثر من واضحة:

جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب ارتكبت في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وثّقتها تقارير الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.
مليشيات عقائدية مثل “الدفاع الشعبي” و”كتائب الظل”، وهي تشكيلات مسلحة ذات ولاء عقائدي تشبه الحرس الثوري الإيراني.
إرهاب عابر للحدود بدعم جماعات متطرفة في الصومال وإريتريا وأوغندا، وتسخير شبكات تهريب السلاح عبر المنطقة.

استغلال الدين في القمع الداخلي، بممارسات كالاغتصاب والتعذيب والقتل الجماعي باسم “الجهاد”، في سلوك لا يختلف عن ممارسات داعش لاحقًا.

ارتباط مباشر بالقاعدة وداعش، حيث كان السودان محطة تأسيسية، ومنها انطلق مئات المقاتلين إلى ساحات التطرف العالمي.

والأخطر أن مؤسسات يُفترض أنها تعليمية ــ مثل جامعة إفريقيا العالمية، جامعة القرآن الكريم، وجامعة أم درمان الإسلامية ــ لم تكن جامعات فحسب، بل مراكز تجنيد عالمي للإرهابيين. استقطبت طلابًا من إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، خرج كثير منهم لا بشهادات أكاديمية بل كمقاتلين جرى تصديرهم إلى بؤر الصراع كقنابل مؤجلة. لقد حوّلت الحركة الإسلامية التعليم إلى مصنع للتطرف، يُنتج جيلًا جديدًا من الإرهابيين بدلًا من العلماء.

قرار التعايشي بحظر نشاط الحركة الإسلامية خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، لكنه ليس كافيًا. المطلوب من حكومة السودان الجديد وتحالف “تأسيس” هو إصدار تشريع قانوني واضح يعلن الحركة الإسلامية وتنظيماتها واجهات إرهابية، ومصادرة شركاتها ومؤسساتها المالية كما صودرت أموال داعش والقاعدة عالميًا، والتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لإدراجها في قوائم الإرهاب، وتجريم خطابها الإعلامي والدعوي الذي يعيد إنتاج التطرف باسم الدين.

إذا أراد السودان الجديد أن يؤسس دولة مختلفة حقًا، فعليه أن يقطع مع الماضي بجرأة. الحظر الإداري يوقف النشاط، لكنه لا يغيّر الحقيقة: الحركة الإسلامية السودانية ليست حزبًا سياسيًا، بل تنظيم إرهابي أصيل. إن تصنيفها إرهابية ليس شأنًا داخليًا فحسب، بل مسؤولية دولية، لأن الخرطوم لم تكن مجرد ضحية للتطرف، بل كانت المصنع الأول للإرهاب العابر للحدود.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.