الفاشر: تترنح تحت الحصار وتقف على شفا السقوط

تقرير: عين الحقيقة

من خلال معطيات المعارك الضارية التي تدور رحاها منذ 15 أبريل 2023، في إقليم دارفور، وتحديداً ولاية شمال دارفور – الفاشر، التي شهدت معارك متتالية بمحلياتها وقراها، كانت آخرها معركة محلية المالحة، 90 كلم شمال الفاشر. وهي المعركة التي بالكاد قصمت ظهر القوة المشتركة، التي كانت تتمركز بمحلية المالحة ومحيط جبل عيسى لأكثر من تسعة أشهر، متخذة من موقعها الاستراتيجي تموضعاً عسكرياً، بحيث ترتب عليها ضربة قاضية تفتك بقوات الدعم السريع، التي تحكم الحصار على الفاشر لعام، حيث الفرقة السادسة مشاة، التي لم تسقط حتى الآن، من بين الفرق العسكرية الخمسة لإقليم دارفور، التي تتوزع في أربع ولايات: نيالا، الضعين، الجنينة، وزالنجي.

حيث بقيت الفرقة السادسة مشاة بالفاشر لوحدها خارج دائرة السقوط لعامين، بناءً على تفاهمات عسكرية جرت بين قوات الدعم السريع والقوة المشتركة آنذاك، لتظل بموجبها “المشتركة” في الحياد، في أوج المرحلة الأولى للمعارك، حفاظاً على عهدها تجاه حماية المدنيين، والمؤسسات العامة، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية. لكن مع تسارع وتيرة الحرب بين الجيش والدعم السريع، تمكنت المخابرات العسكرية من جعلها “حصان طروادة” حرب أبريل.

وبحسب المتغيرات التي طرأت على مسارات المعارك مؤخراً، قال خبير أمني لـ”عين الحقيقة”، فضل حجب اسمه، إن الجيش يتخذ من معركة الفاشر عقبة كؤود، بحيث تبقى مسارات المعارك بدارفور مفتوحة، لإعاقة تقدم قوات الدعم السريع تجاه الولاية الشمالية والشرق. وأضاف: تمكنت استخبارات الجيش من خداع الكثير من شباب مدينة الفاشر للانخراط في القتال بواسطة أذرعها في شعبة القبائل، والإدارات الأهلية التي تتبع للحركة الإسلامية، فضلاً عن دفع ملايين الدولارات لقيادات الحركات المسلحة لتجنيد شباب دارفور المُغرر بهم، واستجلاب المرتزقة من دول الجوار الأفريقي.

مشيراً إلى أن شباب الفاشر تفهموا قضيتهم جيداً في الوقت الحالي، خاصة مع استمرار القصف الجوي للمدنيين في المحليات والقرى والأسواق ومصادر المياه والثروة الحيوانية. لافتاً إلى أن الوعي الجمعي لمواطني الفاشر تشكل بصورة كبيرة، فبات الدفاع عنها ليس ذا قيمة في حالة بقائها تحت سيطرة الجيش. وزاد الخبير الأمني: إن الفاشر تكاد تكون خالية من السكان، ما عدا القليل من نازحي المعسكرات، الذين خرجوا إثر دعوات قوات تحالف التأسيس في عمليات إجلاء لمحليات وقرى غرب وجنوب الفاشر. وتابع: بالتالي، بات سقوط الفاشر متوقعاً، من منطلق المعطيات المذكورة، مع عدم قدرة الجيش والقوة المشتركة على فك الحصار في الوقت الحالي، نظراً لسيطرة الدعم السريع على سماء دارفور.

فيما يحبس مواطنو إقليم دارفور أنفاسهم ترقباً لسقوط الفاشر، أبان المدافع عن حقوق الإنسان، محمد أبوجود أبو، لـ”عين الحقيقة”، أن ثمة دوافع ساهمت في صمود الجيش والقوات المشتركة لخوض عدد من المعارك في الفاشر.

ذكر أبوجود أن أبرز هذه العوامل هو تماسك الجبهة الداخلية بين الجيش والقوات المشتركة والمليشيات القبلية التي تقاتل بجانبهم، بالإضافة إلى التخطيط المبكر من قبل الجيش لتأمين المخزون الاستراتيجي، والتحصينات الداخلية التي أُقيمت داخل المدينة، مما ساهم في إطالة أمد الحرب في الفاشر.

في المقابل، عدد أبوجود الأسباب التي من شأنها تعجيل سقوط الفاشر، على رأسها عمليات إجلاء المدنيين من خطوط النار، ما يعني فقدان القوات المدافعة لما يُعرف بـ”الدروع البشرية”، التي كانت تُعيق تقدم قوات الدعم السريع. مشيراً إلى أن الحصار المحكم على مداخل ومخارج المدينة، وقطع الإمداد لفترة طويلة، ساهم في إضعاف قدرة الجيش والمشتركة كثيراً. وأضاف أن قدرة قوات الدعم السريع على تحييد سلاح الجو شكلت ضربة معنوية قاسية للجيش والقوة المشتركة، وهو ما يسهم في تراجع الروح القتالية للمقاتلين. وتابع قائلاً: هناك شعور متزايد داخل صفوف القوة المشتركة بأن الفاشر لم تعد هدفاً استراتيجياً، عقب دخول الجيش الخرطوم.

في السياق ذاته، أفاد مصدر مطلع بالقوة المشتركة أن صمودهم على خوض المعارك، كما كانت في السابق، بات غير ممكن، عازياً ذلك لنقص الوقود والدعم اللوجستي، الذي بالكاد يشل قدراتهم القتالية في مواجهة قوات الدعم السريع. وزاد: عجزنا عن فك الحصار عن الفاشر لإدخال السلع التموينية والوقود، وانتشال المقاتلين والنازحين من تضور الجوع، أدت لإضعاف المعنويات القتالية للقوة المشتركة. مشيراً إلى أن “المشتركة” كانت تعتمد على عمليات الإسقاط الجوي، التي أصبحت في غاية الصعوبة، في الوقت الذي تتمكن فيه قوات الدعم السريع من إسقاط أي طائرة حربية فوق سماء دارفور.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.