في قلب النزاع السوداني المتصاعد منذ أبريل 2023، ظهرت منطقة أديكونق الواقعة على بُعد 28 كيلومترًا غرب مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، كنقطة تحول اقتصادية حاسمة، بعد أن أصبحت واجهة جديدة لتجارة الحدود بين السودان وتشاد.
ومع توقف الإمدادات من الخرطوم، التي كانت تمثل المركز الصناعي والتجاري الأهم للبلاد، انتقلت دفة الاقتصاد المحلي في دارفور نحو بوابة الغرب، حيث فُتح معبر أدري الحدودي بتنسيق مباشر مع السلطات التشادية، ليُحدث تغييرًا جذريًا في حركة السلع والمواد الغذائية.
في ظل الحصار المفروض على طرق التجارة الداخلية بسبب الحرب، أصبحت تجارة الحدود ملاذًا اقتصاديًا حيويًا. فقد تدفقت عبر معبر أدري كميات كبيرة من الوقود الليبي، والدقيق التركي، والسلع الغذائية القادمة من دول الجوار، ما أدى إلى ظهور أنماط استهلاكية جديدة، وتبدّل سلوك الأسواق وحتى العادات الغذائية في دارفور وكردفان.
وبحسب رئيس الغرفة التجارية بولاية غرب دارفور تجاني يوسف فإن التنسيق بين السلطات المحلية في غرب دارفور ونظيرتها في تشاد، ساهم بشكل كبير في تأمين المعبر وتسهيل مرور القوافل التجارية والإنسانية. وأكد يوسف في تصريح لـعين الحقيقةأن فتح معبر أدري لم يقتصر على إنعاش السوق، بل ساعد أيضًا في دخول المساعدات الإنسانية للمحتاجين في ولايات دارفور وكردفان، وسط أزمة إنسانية خانقة.
رغم التحسن النسبي في توفر السلع، لا تزال أسعارها تشهد ارتفاعًا كبيرًا، خاصة مع حلول موسم الخريف، حيث تعيق الأودية والخيران حركة القوافل التجارية. وأدى ذلك إلى تذبذب كبير في الاستقرار الاقتصادي، لا سيما في الجنينة، التي أصبحت المعبر الأهم للسلع القادمة من الخارج.
وفي حديث لعين الحقيقة قال أحد تجار العملة مفضلاً عدم ذكر اسمه إن الجنيه السوداني يشهد تراجعًا حادًا أمام الفرنك التشادي، حيث بلغ سعر ألف فرنك نحو 24,000 جنيه سوداني، في ظل شح كبير في العملات الورقية، وارتفاع عمولة التحويل من تطبيق بنكك إلى العملات الورقية بنسبة وصلت إلى 20%.
هذا التراجع الحاد في قيمة العملة الوطنية ساهم في ركود الأسواق، وأدى إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين بشكل كبير، ما زاد من تعقيد المشهد الاقتصادي في الولاية.
يعكس صعود أديكونق ومعبر أدري كمركز تجاري بديل لدارفور هشاشة البنية الاقتصادية المعتمدة على مركز واحد الخرطوم طوال العقود الماضية. إذ أن اعتماد الولايات على تدفق البضائع من العاصمة جعلها عرضة للشلل التام عند اندلاع النزاعات.
لكن في المقابل، فإن تنشيط تجارة الحدود يوفر فرصة لإعادة تشكيل خارطة الاقتصاد السوداني بطريقة أكثر توازنًا، خاصة إذا ما وُضع إطار قانوني وتنظيمي واضح لهذه التجارة، وضُمنت إجراءات رقابة لمنع التهريب والاستغلال.
رغم أن معبر أدري أنقذ الأسواق في دارفور من الانهيار الكامل، فإن استمرار الاعتماد عليه دون وجود حلول جذرية للأزمة السياسية والاقتصادية في السودان، يعني بقاء الوضع هشًا ومهددًا في أية لحظة.
تحتاج ولاية غرب دارفور، وبقية الولايات المتأثرة بالحرب، إلى رؤية اقتصادية شاملة، تشمل دعم البنية التحتية، تطوير المعابر الحدودية، وتأمين سلاسل الإمداد، مع ضمان وصول العملة الصعبة والسيولة النقدية بشكل منتظم، حتى لا تتحول تجارة الحدود من حل مؤقت إلى عبء مستمر.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.