في ظل أوضاع إنسانية واقتصادية معقدة تشهدها ولاية غرب دارفور، حملت مؤشرات الموسم الزراعي الحالي بارقة أمل للكثير من المزارعين الذين يعوّلون على تحقيق إنتاجية عالية هذا العام، بعد مواسم من الخسائر والتحديات الأمنية ومؤشرات المجاعة والنزاعات.
وكشف مدير عام وزارة الزراعة ومقرر اللجنة العليا لحماية وإنجاح الموسم الزراعي، عبد اللطيف محمد صابر أن المساحة المزروعة خلال خريف هذا العام تجاوزت “2 مليون فدان”، وهو رقم غير مسبوق في الولاية خلال السنوات الأخيرة. وأكد أن معدلات الأمطار كانت “فوق المتوسط”، ما يعزز التوقعات بنجاح كبير للموسم.
وأوضح عبد اللطيف أن وزارة الزراعة شكّلت غرفة فنية مختصة لمتابعة سير الموسم، وتقديم الإرشادات الزراعية خاصة فيما يتعلق بمكافحة الآفات والحشرات التي تهدد المحاصيل. كما شدد على أن الإدارة المدنية وجهت باتخاذ إجراءات صارمة لتأمين الموسم الزراعي، أبرزها تفعيل زرائب الهوامل لمنع دخول المواشي في المزارع، وفتح المسارات والمراحيل، إلى جانب تنظيم طوافات دورية لمتابعة الأوضاع ميدانيًا ومعالجة التحديات فورًا.
تُعد الزراعة النشاط الاقتصادي الأهم في غرب دارفور، حيث يعتمد غالبية السكان على زراعة محاصيل رئيسية مثل الذرة، الدخن، السمسم، الفول السوداني، والبطيخ، إلى جانب محاصيل أخرى تُزرع بطرق تقليدية وبأدوات يدوية. ويهدف معظم المزارعين إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، مع عرض جزء من الإنتاج في الأسواق لتغطية الاحتياجات المعيشية الأخرى.
في ظل هذه الأهمية، تتصاعد المخاوف مع اقتراب موسم الحصاد من أن تتعرض المزارع للاعتداءات من المواشي التي قد تدخل المزارع قبل الحصاد، وهو ما حدث في مواسم سابقة وتسبب في نزاعات بين الرعاة والمزارعين.
اتخذت الأجهزة التنفيذية والأمنية في الولاية، بالتعاون مع لجان محلية ومجتمعية، إجراءات استباقية لمنع أي احتكاكات بين المزارعين والرعاة، عبر لجان لحماية الموسم الزراعي تضم الإدارات الأهلية وممثلين من الطرفين. وتُعد هذه اللجان ركيزة أساسية في الحفاظ على الاستقرار والتعايش السلمي في موسم يعد حيويًا للاقتصاد المحلي.
وفي هذا السياق، لعبت المنظمات الدولية دورًا فاعلًا في دعم الموسم الزراعي من خلال توفير البذور المحسنة وبعض المعينات الزراعية، خاصة في ظل ضعف الدعم الحكومي، وندرة الموارد، وارتفاع أسعار المدخلات.
عبّر عدد من المزارعين في المنطقة عن رغبتهم في الاعتماد على الإنتاج المحلي بدلًا من تلقي المساعدات الإنسانية، مشيرين إلى أن نجاح الموسم هذا العام سيعيد شيئًا من الكرامة والاستقلالية لأسرهم. واعتبروا أن ضعف الموسم الماضي وما رافقه من شبح المجاعة كان حافزًا أكبر لبذل مزيد من الجهد هذا العام.
تبقى الفترة المتبقية من موسم الخريف وهي مرحلة الحصاد المرحلة الأكثر حساسية، إذ غالبًا ما تشهد اضطرابات بسبب الاحتكاكات بين الرعاة والمزارعين، أو بسبب ضعف التنسيق الميداني.
لكن المؤشرات حتى الآن، وفق مراقبين محليين، تعكس حالة من الاستقرار النسبي، بفضل الجهود المشتركة من السلطات المحلية، والإدارات الأهلية، والمنظمات العاملة في المنطقة. كما أن غياب النزاعات القبلية، وتراجع مستوى التوترات المجتمعية، أسهم في تهيئة بيئة أفضل للمزارعين مقارنة بالسنوات السابقة.
إذا تكللت جهود هذا الموسم بالنجاح، فإن ذلك سيشكل نقطة تحوّل في مسار الأمن الغذائي بولاية غرب دارفور، ويعزز من فرص التعافي الاقتصادي والاجتماعي في منطقة طالما عانت من ويلات الحرب والإهمال التنموي. لكن يبقى نجاح الموسم مرهونًا بمدى قدرة السلطات الحكومية والمجتمع المحلي على حماية الحصاد، وتأمين مسارات الرعاة، ومنع الصراعات، وترسيخ ثقافة التعايش والتنسيق في إدارة الموارد المشتركة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.