لقرابة العقدين، يقود مني أركو مناوي حركة جيش تحرير السودان دون انعقاد مؤتمر عام، فمنذ مؤتمر حسكنيتة ذائع الصيت في عام 2005، الذي تسلم فيه مناوي قيادة الحركة، ما زال في موقعه لم يتزحزح قيد أنملة.. لكن مع تعقيدات المشهد السياسي وتداعيات الحرب المشتعلة منذ 15 أبريل 2023، بدأت التساؤلات تُطرح بجدية في الدوائر السياسية والعسكرية للحركة، حول مستقبل “مناوي في قيادتها، وما إذا كان قد استنفد دوره التاريخي، في ظل توتر داخلي متصاعد وملفات خلافية باتت تهدد وحدة الحركة.
وفي خطوة سياسية لافتة، عقدت قيادات سياسية بارزة من الحركة مؤتمراً صحفياً في العاصمة الأوغندية كمبالا، بتاريخ 7 أغسطس 2025، تحدّثت فيه عن الضرورة الملحة لإنعقاد مؤتمر عام للحركة، وحددت مدته بألا تتجاوز ال60 يوماً، منطلقة من مبررات سياسية واضحة، تؤكد فشل القيادة الحالية، ولا سيما تماهيها مع تطورات المشهد السياسي والعسكري الراهن في بورتسودان.
إلا أن الأمر الأكثر أهمية في سياق الخلافات داخل أروقة الحركة، هو الجدل القائم حول المؤتمر الصحفي الذي دعا لانعقاد المؤتمر العام في الشهر الماضي، والذي كان مدعوماً بشكل غير معلن من قيادات عسكرية نافذة آثرت عدم الظهور العلني.. ما اعتبره مراقبون مؤشراً على حالة الغليان الكامنة داخل أجهزة الحركة السياسية والعسكرية، والتي قد تُمهد لتحول نوعي في بنيتها القيادية.
أزمة الحركة لم تبدأ في العاصمة الأوغندية كمبالا فحسب، بل تتراكم بصمت منذ عامين ونيف، خصوصاً عقب الإعلان عن التشكيل الوزاري الجديد برئاسة د. كامل إدريس
إلى ذلك، تحدثت قيادات سياسية رفيعة من الحركة لصحيفة (عين الحقيقة)، فضلت عدم الكشف عن هويتها، بأن أزمة الحركة لم تبدأ في العاصمة الأوغندية كمبالا فحسب، بل تتراكم بصمت منذ عامين ونيف، خصوصاً عقب الإعلان عن التشكيل الوزاري الجديد برئاسة د. كامل إدريس، والذي استُبعد منه وزير المعادن السابق، محمد بشير أبونمو، أحد أبرز المقربين من مناوي، ومساعده للعلاقات الخارجية.
واستطردت القيادات قائلة إن ثمة ضغوطاً سياسية وشخصية لإعادة محمد بشير أبو نمو إلى موقعه الوزاري، لكن مناوي رفض التجاوب مع تلك المطالب، ما أثار حفيظة أبونمو ومجموعته، التي بدأت تُعيد ترتيب أوراقها داخلياً، بالتنسيق مع شخصيات تنفيذية وعسكرية ترى أن الحركة باتت تُدار بطريقة مغلقة من قبل مناوي، وهي بعيدة عن التمثيل العادل لمكوناتها السياسية والعسكرية.
وعن حجم الخلافات داخل قيادة الحركة، كشفت مصادر ميدانية عن مدى فداحة التشققات واتساع الخلافات بين أمين التنظيم والإدارة، أحمد عبد الكريم جدة، بوصفه القيادي والصديق المقرب لمناوي، بحكم العلاقة الاجتماعية الطويلة التي جمعت بين الرجلين منذ أيام الدراسة والتنشئة في قريتهما “فوراوية في ولاية شمال دارفور.
وأستدركت المصادر أن الخلافات التنظيمية والسياسية، التي نشبت بين مناوي وصديقه أحمد جدة، وتيار الوزير السابق محمد بشير أبو نمو، بجانب صالح منصور مطر، أحد أقرباء مناوي، الموظف بشركة سوداميين، قد تجاوزت الخطوط الحمراء، ووصلت إلى حد التراشق داخل الاجتماعات واللقاءات المغلقة.
تقارير: القشة التي قصمت ظهر قيادة مناوي، هي الانقسام الحاد داخل القيادة العسكرية والسياسية، بشأن خوض الحرب إلى جانب الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع
وفي السياق، يرى مقربون من أمين التنظيم والإدارة، أن القيادة المركزية التي يمارسها مناوي داخل الحركة باتت تُقصي الأصوات الإصلاحية، وتحولت إلى آلية طيعة لقراراته الفردية، مما أدى إلى شلل تنظيمي، وانهيار للثقة بين القيادة السياسية والعسكرية.
وكانت تقارير صحفية سابقة قد أفادت، بأن القشة التي قصمت ظهر قيادة مناوي، هي الانقسام الحاد داخل القيادة العسكرية والسياسية، بشأن خوض الحرب إلى جانب الجيش في مواجهة قوات الدعم السريع.
وتابعت: التقارير في حين انخرط مناوي سياسياً وعسكرياً في دعم الجيش، عبرت قيادات عسكرية بارزة من الحركة عن رفضها الزج بها في هذا الصراع، معتبرين أن ذلك ليس من صميم مهامها، ويُعرضها لفقدان التوازن والمصداقية أمام قواعدها الشعبية في إقليم دارفور، التي تعاني من تبعات الحرب منذ العام 2003.
ولفتت التقارير إلى أن مواقف القيادات الرافضة لمشاركة الحركة في الحرب، قد بدأت تتحول إلى تيار منظم داخل المؤسسة العسكرية والسياسية، ما يُنذر بإمكانية حدوث انشقاق فعلي، أو تحرك منظم لعزل مناوي من موقعه في قيادة الحركة في أي وقت.
وهو ما أكده بيان قيادات الحركة، الذين عقدوا مؤتمراً صحفياً في كمبالا خلال شهر أغسطس المنصرم، حيث أشار إلي أن ما يُضعف شرعية مناوي في المرحلة الحالية، أنه على رأس الحركة لقرابة العقدين دون إنعقاد مؤتمر عام لكسب الشرعية.
القيادات الداعية لإنعقاد المؤتمر، أن المعطيات السياسية والتنظيمية تشير إلى أن دوائر الرفض الداخلي لإستمرار مناوي في قيادة الحركة، بدأت تتسع يوماً بعد يوم
ونوهت، القيادات في البيان أن الحركة ظلت ترفع شعارات التغيير، والعدالة، والديمقراطية، وبالمقابل لم تُتح الفرصة المناسبة لقاعدتها العريضة لاختيار قيادتها بشكل حر ومنظم، وهو ما ركزت عليه بشكل أساسي الأصوات الداعية لإنعقاد المؤتمر العام، والتي طالبت بإجراء مراجعة شاملة تُعيد ضبط بوصلتها السياسية والعسكرية.
وأضافت القيادات الداعية لإنعقاد المؤتمر، أن المعطيات السياسية والتنظيمية تشير إلى أن دوائر الرفض الداخلي لإستمرار مناوي في قيادة الحركة، بدأت تتسع يوماً بعد يوم، وأن القيادة التاريخية التي شكلت جزءاً من ملامح الحركة، قد تفقد زمام المبادرة إن لم تُبادر بإصلاحات جذرية داخلية.
لكن، ثمة مقربون من مناوي يؤكدون راهنه على ولاء شبكات اجتماعية قديمة في دارفور، وعلاقاته الإقليمية بدول الجوار، علاوة على ضعف التنسيق بين خصومه داخل الحركة، لا سيما أن الكثير منهم يتجنبون الظهور العلني أو إعلان موقف واضح، خشية التشظي والانقسام.
إن استمرار الصمت داخل أروقة حركة جيش تحرير السودان بشأن مستقبل القيادة، في ظل تعاظم الخلافات، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام الداخلي والتآكل السياسي.. فإما أن تبادر قيادة الحركة بعقد مؤتمر عام يُعيد ترتيب البيت من الداخل، أو تظل رهينة لصراعات الرفاق والرفيقات، حتى تسقط بصمت، كما سقطت حركات كثيرة من قبلها.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.