اتهامات لمنظمة دولية بدعم الإسلاميين في السودان

نيروبي – عين الحقيقة

تتصاعد الانتقادات يومًا بعد يوم بشأن تواطؤ عدد من منظمات المجتمع المدني المحلية، لاسيما تلك العاملة في مجال رصد انتهاكات حقوق الإنسان، في ظل الحرب الدائرة حاليًا في السودان. إذ يُوجه لهذه المنظمات اتهام متكرر من قبل عدة أطراف سياسية ومدنية بعدم التحلي بالحيادية الكافية والانحياز الواضح لصالح الجيش، الذي تهيمن على قيادته تيارات إسلامية نافذة.

وقد عززت تقارير عديدة لتلك المنظمات هذه الفرضية، إذ تُركز بشكل كبير على توثيق الانتهاكات التي يرتكبها أفراد من قوات الدعم السريع – وهي انتهاكات جسيمة ومتعددة تستحق الإدانة والمساءلة القانونية – بينما تُهمَل إلى حد بعيد الانتهاكات التي تُرتكب من قبل قوات الجيش والكتائب والمليشيات الإسلامية المتحالفة معه، والتي يُقر بعض أفرادها صراحة بانتمائهم لتنظيمات إرهابية مثل “القاعدة” و “داعش”.

وعند الإشارة إلى انتهاكات الجيش في تقارير تلك المنظمات، غالبًا ما يُخفَّف من وطأتها دون الإشارة إلى الفظائع العديدة التي تحدث على الأرض؛ إذ تكاد تخلو هذه التقارير من توثيق جرائم القتل والنهب والاغتصاب التي يُتهم بارتكابها عناصر من الجيش ضد المدنيين، إلى جانب الفظائع التي ارتكبتها مليشيات إسلامية مسلحة مثل “كتيبة البراء بن مالك” وغيرها، والتي شملت أعمالًا وحشية فظيعة كالذبح وسلخ الجلود وتقطيع الرؤوس والأطراف.

هذا التحيز الصارخ تجاه التيار الإسلامي في السودان، الذي يرفع شعارات الوطنية والكرامة في محاولة عودته للسلطة مرة أخرى، أسهم في ترسيخ قناعة لدى تلك الجماعات بأنها خارجة عن نطاق المساءلة والمحاسبة، مما شجعها على الاستمرار في ارتكاب انتهاكات جسيمة، بما في ذلك التعذيب والقتل، لا سيما بحق المدنيين من أصول تنتمي لإقليمي دارفور وكردفان، والذين غالبًا ما يُستهدفون بناءً على ملامحهم وتُوجَّه إليهم تهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع قبل تصفيتهم بطرق وحشية.

وعلى الصعيد المدني السياسي، امتدت الانتقادات والشكوك حول الأدوار التي تلعبها دول إقليمية ومنظمات حديثة ليست لديها خبرة في الشأن السوداني، وتأتي في مقدمة هذه الجهات منظمة برومديشن (Promediation) الفرنسية، التي باتت أنشطتها ومبادراتها تثير تساؤلات مشروعة حول نواياها الحقيقية وأهدافها الخفية، لا سيما في محاولاتها المتكررة لإعادة الإسلاميين إلى قلب العملية السياسية في السودان.

🔺دعوة (بروميدييشن) لمطلوب العدالة الدولية؟!

في الرابع من أبريل الجاري، أعلن أحمد هارون – الرئيس المكلّف لأحد أجنحة المؤتمر الوطني – أنهم تلقّوا دعوة من منظمة “بروميدييشن” للمشاركة في مشاورات حول العملية السياسية لوقف الحرب في السودان، وذلك خلال الفترة من 11 إلى 13 أبريل، في العاصمة القطرية الدوحة.

وتُعرِّف منظمة “بروميدييشن” الفرنسية، وفق موقعها الرسمي، بأنها تعمل في مجال فضّ النزاعات، وتيسير الوساطة والحوار، ودعم مسارات السلام.

أما أحمد هارون، فهو أحد أبرز العناصر الأمنية ذات التوجّه الإسلامي في نظام المؤتمر الوطني، وقد تقلّد عدة مناصب حكومية، أبرزها منصب وزير دولة بوزارة الداخلية، خلال الفترة التي بلغت فيها الانتهاكات ذروتها في إقليم دارفور. واشتهر بمقولته المثيرة للجدل بشأن الأسرى: “الأسرى يشكّلون عبئًا إداريًا ويجب قتلهم لا الاحتفاظ بهم”.

وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه في 27 أبريل 2007، تضمنت 20 اتهامًا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، و22 اتهامًا بارتكاب جرائم حرب.

وفي بيانه بشأن دعوة “بروميدييشن”، قال أحمد هارون: (يشكر المؤتمر الوطني منظمة بروميدييشن على مبادرتها، ويعلن الرفض القاطع للمشاركة في تلك المشاورات).

في المقابل، أصدر الجناح الآخر للمؤتمر الوطني بقيادة إبراهيم محمود بيانًا باسم قطاعه السياسي، جاء فيه: (تلقّى رئيس حزب المؤتمر الوطني المكلّف إبراهيم محمود دعوة من منظمة بروميدييشن…).

وأضاف البيان أنهم سيشاركون في ورشة المشاورات عبر رئيس الحزب إبراهيم محمود، يرافقه رئيس قطاع العلاقات الخارجية طارق حمزة، بالإضافة إلى ياسر خضر.

🔺الوسيط الذي يخرق العدالة؟

وفيما يبدو استشعارًا للحرج بعد بيان أحمد هارون الرافض للمشاركة، وزّعت بروميدييشن توضيحًا مقتضبًا على المجموعات السودانية التي تعمل معها، أوردت فيه أنها دعت فعلاً إلى ورشة مشاورات غير رسمية للأحزاب الإسلامية – المؤتمر الشعبي الداعم للجيش، المؤتمر الوطني، حزب المستقبل، حركة الإصلاح الآن، وآخرين – وزعمت المنظمة في توضيحها أنها لم تدعُ أحمد هارون، وليس لديها أي تواصل معه، بما يشير إلى أنها دعت فقط الجناح الذي يقوده إبراهيم محمود.

لكن مصدرًا مطلعًا أوضح لـسودان بيس تراكر أن منظمة بروميدييشن كانت فعلاً على تواصل مع أحمد هارون، وقدّمت له الدعوة ووافق عليها في البداية، لكنه حين علم بدعوة الجناح الآخر بقيادة إبراهيم محمود رفض المشاركة وأصدر بيانه الذي سبّب الحرج لمنظمة بروميدييشن.

وأضاف المصدر المطلع أن دعوة أحمد هارون تتناقض مع مبادئ الدول الأوروبية الداعمة لمنظمة بروميدييشن، والتي تنضوي تحت المحكمة الجنائية الدولية وتدعم مذكرات التوقيف الصادرة عنها بحق المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في السودان.

🔺اتهامات بالتلاعب في مسار السلام

وعن سبب التباين الواضح بين منظمة بروميدييشن وداعميها الأوروبيين، قال لنا محلل سياسي سوداني فضّل عدم ذكر اسمه: “هناك عدة أسباب يمكن أن تفسّر محاولة استرضاء بروميدييشن لجماعات الإسلام السياسي، لا يمكن التفصيل فيها في هذا الحيّز المحدود، لكن أبرز هذه الأسباب أن المنظمة لديها علاقة وثيقة بالأجهزة المصرية، ولهذا تبنّت رؤية النظام المصري، وهي رؤية منافقة وغير منسّقة ترفض الإسلاميين في مصر بينما تحاول فرضهم على الشعب السوداني الذي ثار ضدهم، الأمر الذي لا يمكن تفسيره إلا برغبة النظام المصري في تعويق السودان وإجهاض استقراره ونمائه كي يستمر نهبهم لموارده”.

ومن جهة أخرى، قال سياسي سوداني ردًا على ذلك: “من الخطأ تبسيط الموقف المصري، فمصر تقدّر أن الإسلاميين، وقد اختطفوا الدولة السودانية لثلاثة عقود، ليس من السهل التخلّص منهم بضربة واحدة، ولهذا فإنها تسعى لتقسيمهم وعزل المجموعات الأكثر تطرّفًا منهم، واستيعاب المجموعات التي تقبل بإنهاء الحرب. ورغم أن مصر تفضّل نظامًا عسكريًا في السودان، إلا أن موقفها هذا ليس موقفًا نهائيًا، ويمكن إثناؤها عنه إذا فهمت أن الأوضاع في السودان لا يمكن مضاهاتها بالأوضاع في مصر”.

وأضاف السياسي السوداني أن موقف بروميدييشن لا يمكن تفسيره بالموقف المصري فقط، وإنما باتجاه دوائر معينة في الغرب تريد التلاعب مع الإسلاميين في السودان لحسابات خاصة بهذه الدوائر، بغض النظر عن مصالح ورغبات الشعب السوداني.

حاولنا التواصل مع المنظمة عبر البريد الإلكتروني، إلا أنه لم يتم الرد على طلبنا حتى لحظة نشر التقرير.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.