جاءت ثورة 15 أبريل كتتويج لمسار وعي جديد، لم يكن مشهدًا مكررًا من انتفاضات النخبة في قلب المركز، بل انبثقت من رحم الهامش، من دارفور وكردفان والنيل الأزرق، حيث وُلد الوجع، ونضج الحلم، وتشكّل جيل جديد من الثوار، ليسوا من شاشات الإعلام ولا عناوين المؤتمرات، بل بدأت من الميدان، من الخنادق، من أحياء المقاومة والقرى المحروقة التي قالت: “كفى”.
لم تكن ثورة الشعب السوداني وليدة لحظة غضب أو حدث عابر، بل هي ثمرة تراكم وعيٍ طويل، وتجسيدٌ لإرادة راسخة ترفض إعادة إنتاج الاستبداد، خاصة ذلك المرتبط بحكم الإسلاميين الذي قهر الشعب لعقود باسم الدين والوصاية. اختار السودانيون طريق الثورة، لا تكرار الماضي، ورفضوا أن يُعاد تدوير رموز الظلم تحت شعارات قديمة.
الثورات لا تُولد من فراغ، بل تأتي بعد تراكم المظالم وانسداد الأفق، وما تحالف تأسيس إلا عهد جديد أطلقه السيد القائد، وجدد به الأمل في وطن يسع الجميع. لقد حمل لواءه كل من آمن أن 15 أبريل لم تكن لحظة عابرة، بل رسم لمسار جديد قوامه الحرية، والعدالة، وأداء حقوق المواطنة بلا تمييز، في هذه الثورة، سطّر قادة ميدانيون وجنود بسطاء ملحمة جديدة. قد لا تعرف الجماهير أسماءهم، ولكن التاريخ سيذكر أن فعلهم أعاد رسم خارطة السودان السياسية والاجتماعية. خرجوا ليقولوا إن السودان ليس ملكًا لحفنة من المتنفذين، بل وطنٌ لكل من عاش فيه وارتوى من مائه.
وجاء ميثاق تأسيس ليكون الوثيقة الأهم في مسيرة هذه الثورة؛ ميثاق لم يُكتب في الصالونات، بل وُلد من معاناة الميدان، ومن مطالب المهمّشين، ومن رغبة الشعب في بناء دولة عادلة، مدنية، موحّدة، لا فضل فيها لمركز على هامش.
إنها ثورة ضد التهميش، وضد القهر المتجذر في بنية الدولة القديمة. واليوم، من وسط هذا الخراب الذي خلّفته الحرب، يخرج الشعب، لا ليستجدي حقه، بل ليفرضه. فشعب السودان، الذي صبر طويلاً، قرر أن يكتب تاريخه بنفسه، بدماء أبنائه، وبصوت الذين كانوا مهمّشين بالأمس، وأصبحوا صانعي الوطن اليوم.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.