في لحــظة فارقــــة بيـن ما يُــقال وما يُنــجز، انطلقت من نيـــالا عاصمــة حكومــة التــأســيس قــوافـل إنسانــية تُعـيد تعـريف معنــى الدولــة في وجـــدان مواطنـــيها لـــم تــكن الانطلاقـــة مجرد مشهدٍ إداري أو فعاليةٍ روتينية، بل ترجمة ميدانية لعقيدة سياسية جديدة تؤمن أن كرامة الإنسان ليست موضوعًا للنقاش، بل مبدأ يُمارَس بالفعل.
من قلب نيالا، خرجت الشاحنات تباعًا، محمّلة بما يرمز قبل أن يُوزَّع: رسالة من الدولة إلى المواطن بأن الإنسان يظلّ أولًا، وأن الحكومة التي وُلدت من رحم الأزمة قادرة على تحويل التحديات إلى مواقف أخلاقية تُجسّد معنى الحكم المسؤول.
على امتداد الطريق الممتد شمالًا نحو الفاشر، سارت القوافل في صمتٍ يشبه الوقار، وسط صحراءٍ يعرف أهلها أن المعاني لا تحتاج إلى ضجيج كي تُسمع
لم يكن الطريق مفروشًا بالسهولة، بل بالموانع والظروف، لكنّ الإصرار كان أكبر من المسافات
قوافل التأسيس مضت في خطٍّ واحد، مدفوعةً بقوة الواجب لا باستعراض الصورة، وبإرادةٍ تؤمن أن السياسة بلا إنسانية تتحوّل إلى عبءٍ على الإنسان.
في كل شاحنةٍ كانت حكاية، وفي كل خطوةٍ كان معنى.
رجالٌ ونساءٌ تحرّكهم قناعةٌ واحدة: أن الدولة لا تُقاس بما تملك من موارد، بل بما تمنح من ضمير حــي
كانوا يدركون أن ما يحملونه من مواد غذائية ومياه واحتياجات ضرورية لا يُقاس بالكميات، بل بقيمة الوصول في الوقت الذي يحتاج فيه المواطن لمن يطرق بابه
مــن نيــالا إلــى الفــاشــر، عبرت القوافل مسافاتٍ طويلة، لا تحمل فقط الغذاء، بل تحمل فكرةً ناضجة عن معنى المسؤولية العامة
ذلك أن حكومة التــأسيــس لم تُــرسل القوافل لتصنع عنوانًا إعلاميًا، بل لتصنع توازنًا بين القـــول والفــعل، ولتــقول للعالم إن العمل الإنساني ليس شعارًا سياسيًا بل جوهر السيادة الوطنية
إنّ ما جرى لم يكن حملةً إغاثية فحسب، بل موقفًا أخلاقيًا من دولةٍ تعرف قيمة الإنسان قبل قيمة الأرض، وتؤمن أن حماية المواطن من الجوع والإهمال لا تقلّ عن حمايته من الحرب والخوف
في كل لقطةٍ من الرحلة، كان المشهد يختصر رسالةً واحدة: أن الضمير يمكن أن يكون بوصلة السياسة إذا وُجدت الإرادة
حــكومــة التــأســيس القــيادة والريـادة في الأخـلاق والقيــم والمبــادئ الإنـسانيــة””””هذه القوافل تمثّل التزام الدولة بقضية الإنسان كأولوية قصوى، وتجسّد جوهر فلسفة الحكم الجديد التي تقوم على الأخلاق قبل القوة، وعلى الفــــعل قــبل القــــول”””
وأضاف: “””مــن نيــالا إلى الـفاشر، ومن الجنوب إلى الشمال، لن يكون المواطن متروكًا لظروفه، فالدولة موجودة حيث يكون الإنســـان””””
لقد واجهت حكومة التأسيس موجةً من الحملات الإعلامية التي سعت لتشويه الصورة عبر رواياتٍ مضلّلة، لكنّ الرد جاء من الميدان لا من المكاتب
هــناك، علــى الطريق بين نيالا والفاشر، كان الإعلام الصادق يكتبه الواقع: رجالٌ يدفعون الشاحنات وسط الرمال، وأمّهاتٌ يرفعن الدعاء لجهودٍ لم تأتِ متأخرة، بل جاءت في وقتها تمامًا
إنّ هذه المشاهد، مهما بدت بسيطة، هي التي تعيد الثقة بين المواطن والدولة، وتؤسس لمرحلةٍ جديدة من الوعي الوطني
فحكومــة الــتأســيس لا تكتفي بإدارة الملفات، بل تبني مفهومًا مختلفًا للسلطة: سلطة تُمارس الرعاية كمسؤوليةٍ أخلاقية، لا كمنّةٍ سياسية
الــفاشــر اليوم ليســت نهايــة الرحــلة، بــل بــداية مــسارٍ إنساني طويل، تُعيد فيه الحكومة رسم العلاقة بين السلطة والمجتمع، حيث لا وجود لسياسةٍ دون كرامة، ولا لشرعيةٍ دون إنسانية
وهــكذا تكــتب نيالا، ومن بعدها الفاشر، فصلًا جديدًا في تاريخ الدولة السودانية الحديثة؛ فصلًا يوقّعه الفعل لا البيان، ويُذيّله الشعب لا الخطاب
فبيــنما تتــنازع الـمنابر روايـاتٍ متناقضة، يقف الميدان شاهدًا لا يُكذّب: هناك حكومة تعمل، وهناك وطنٌ يتنفّس
ونحن فــي ختــام الرحلة، يبــقى المــشهد في ذاكرة الوطــن شاهدًا على أن الإنسان هو البوصلة، والكرامة هي الاتجاه
ومن نيالا، انطلق النبض الذي سيظل يذكّر الجميع أن الدول تُبنى بالأخلاق قبل السياسات، وبالصدق قبل الشعارات
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.