بين دوي القذائف وصمت العالم، يطل على السودان حديث من يشبه الحلم عن هدنة إنسانية بين الجيش و الدعم السريع. هدنة طال انتظارها، ليس لأنها ستنهي الحرب، بل لأنها قد تفتح نافذة أمل جديد للحياة في بلد أُنهك حتى العظم. إنها ليست مجرد إتفاق على وقف إطلاق نار، بل صرخة تعب من قلب وطن نزف كثيراً و صرخة أمل من نساء حلمن بالعودة إلى بيوتهن، إلى أطفالهن، إلى حياة طبيعية بلا خوف ولا رعب.
اليوم، كل السودانين يرحبون بهذه الخطوة. لا لأنهم يثقون في الساسة أو المقاتلين، بل لأنهم تعبوا من دفن أحبائهم و أحلامهم يومياً. في الأسواق المهجورة، في المخيمات، في قوافل النزوح الطويلة، لا حديث إلا عن السلام. حتى أولئك الذين فقدوا الأمل في أي مصالحة، باتوا يقولون: “ليتها تكون هدنة حقيقية هذه المرة”. فالسودان لم يعد يحتمل المزيد من الموت الدمار ولا مزيداً من الأكاذيب التي تُرفع باسم الوطن.
النساء، كما في كل حرب، كن الأكثر وجعاً و الأقوى صوداً. حملن على أكتافهن بقايا البيوت المهدمة وأطفالاً ينامون يصحون على الخوف. أصواتهن اليوم هي أصوات السلام. أصوات تنادي بوضوح: “أوقفوا الحرب… أريد أن أعيش”. النساء في الأسواق، في القرى، في المعسكرات و في الشتات كلهن يعرفن أن الهدنة ليست حلاً، لكنها بداية الطريق نحو وقف النزيف. فحين تسكت البنادق، تبدأ لغة الحياة و عبيرها من جديد.
قد يقول البعض إن الهدنة مجرد تكتيك سياسي أو مناورة عسكرية لالتقاط الأنفاس. ربما و لكنها أيضاً مساحة للإنسان أن يتنفس و أن يدفن موتاه بكرامة و أن يجد طريقه إلى بيته المهدوم. و من يستهين بهذه المساحة، لم يعرف بعد ما معنى أن تكون لاجئاً في وطنك ولاجئأً من وطنك.
إن الهدنة الحقيقية لا تُوقع على الورق فقط، بل تُكتب بدموع الأمهات و صبر النساء و حنين الأطفال. إن توقيعها يجب أن يكون عهداً جديد، لا بين طرفين متحاربين، بل بين السودان نفسه و شعبه. فالسودان لا يريد أكثر من فرصة للحياة.
هذه المرة، يجب أن تكون الهدنة مختلفة. لا هدنة من أجل السلاح، بل هدنة من أجل الإنسان. هدنة من أجل النساء اللاتي أصبحن عنواناً للألم و شعاراً للسلام. فحين تتحدث النساء، يتوقف التاريخ قليلاً ليستمع. و حين يرفعن صوتهن للسلام، فلا قوة في الأرض تستطيع أن تُسكت الوطن كله
.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.