الحزب الشيوعي والتماهي مع موقف الجيش وحرب الكرامة

نيروبي – عين الحقيقة

يُعتبر الحزب الشيوعي السوداني الذي تأسس في عام 1946 من أعرق الأحزاب السياسية في السودان والمنطقة العربية وإفريقيا ، ولطالما كان للحزب الشيوعي السوداني مواقف تاريخية في مناهضته للأنظمة الإستبدادية وإدعاء سنفنده لاحقاً بمناصرة قضايا العمال والطبقات الفقيرة ضد جشع الملاك ووحشية الرأسمالية ، ولكن في الواقع يبدو أن الحزب الشيوعي من أكثر الأحزاب التي حملت تناقضات جمة في مواقفه وأفعاله منذ الإستقلال وحتى يومنا هذا .

وعندما أطاحت إنتفاضة 21 – أكتوبر – 1964م بحكومة عبود آنذاك، وكانت مشاركة الحزب فاعلة كمشاركة جموع السودانيين وقتها في إنتفاضة إكتوبر 1964م وبالرغم من مواقف الحزب بعدم المشاركة في الحكومات، إلا أننا نجده حظى بمقعد وزاري في الحكومة التي شكلها محمد أحمد محجوب وجاءت مشاركة الحزب الشيوعي بمقعد وزارة الزراعة وتقلده عضو الحزب أحمد سليمان ، وحملت فترة حكومة المحجوب حل الحزب الشيوعي السوداني وإلغاء عضوية النواب الشيوعيين في الجمعية التأسيسية.

وفيما بعد جاء إنقلاب عسكري قاده جعفر محمد نميري في 25 – مايو – 1969م أطاح بحكومة الأحزاب، والجدير بالذكر أن الشيوعيين لعبوا دورا ً بارزا ً في هذا الإنقلاب، وأعلن عن ثلاث من الشيوعيين كوزراء وهم: (فاروق أبو عيسي و جوزيف كونغ ومحجوب عثمان) وبعد ذلك شهدت الفترة من 1969 إلى 1971 توترا ً كبيرا ً بين الحزب الشيوعي وقادة إنقلاب مايو 1969 الأمر الذي دفع ضباط الحزب الشيوعي للإنقلاب على نميري في 19 – يوليو – 1971م وتمكن نميري من إستعادة حكمه وإنتهى بإعدام منفذي الإنقلاب.

وعندما قام الحزب الشيوعي السوداني بتسمية إنقلابه بحركة 19 – يوليو التصحيحية، يبدو أنه كان يحمل تناقضا ً كبيرا ً فيما ينادي به الحزب الشيوعي في أدبياته للوصول للسلطة، وتظل المواقف كثيرة جداً على ما يحمله الحزب الشيوعي من إزدواجية في وسائله غير المعلنة للوصول للسلطة وما يتبناه علنا ً من شعارات .

ويبدو واضحاً ان إستعادة نميري لسلطته والتي أسماها العطا في بيانه في إنقلاب 19 – يوليو أنها ثورة تصحيحية وامتدادا ً لثورتهم التي سرقت ويقصد ثورة 25 – مايو – 1969م هذا يؤكد تماما أن الحزب الشيوعي ومنذ بواكير بناء الدولة الوطنية وصل لسدة الحكم وإن تغيرت تطلعات الشيوعيين وتخلوا عن خطاب الحزب مثل نموذج جعفرنميري، فالحزب الشيوعي دأب على الدفع بكوادره في مناصب حكومية وتبني خطاب المعارضة والمناهضة للنظام نفسه وبذلك ساهم الحزب الشيوعي مساهمة كبرى في الحفاظ على كيان الدولة التاريخية بتشوهاتها وإختلالاتها.

وبعد ثورة ديسمبر المجيدة والتي أطاحت بنظام المؤتمر الوطني، إتخذ الحزب الشيوعي موقفا ًرافضا ً للشراكة التي جمعت بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري رغم مشاركته في كتابة الوثيقة الدستورية وجولات التفاوض بين المدنيين والعسكريين ، وكان مبرر الحزب الشيوعي في رفض الوثيقة الدستورية بأنها خيانة لأهداف ثورة ديسمبر وعمل الحزب على إسقاط الفترة الإنتقالية رغم أنه إنسحب من التحالف بعد عام ونصف من توقيع الوثيقة، وهذا ما يدفعنا لطرح تساؤل حول دوافع التأخير ومدى إتساقه مع مواقف الحزب التي يزعم أنها مبدئية .

وسعى الحزب الشيوعي لتخريب الفترة الإنتقالية وتبنى موقف إسقاطها إلا إن إندلعت شرارة حرب 15 أبريل 2023م وتشير المعطيات إلى موقف الحزب المنحاز للجيش السوداني، متجاهلا ً أن الجيش السوداني كان مطية البشير في الوصول للسلطة وأن قادته تورطوا في جرائم ضد الإنسانية وأن الجيش هي حديقة من حدائق نظام المؤتمر الوطني .

وهذا الموقف يعكس تراجع الحزب في توجهه الثوري الجذري لصالح الولاء الاجتماعي للجيش كأحد الأجهزة التي حافظت وتحافظ على الإمتيازات التاريخية للنخب السياسية السودانية المختلفة ، وتجاهل الحزب الشيوعي عمداً للأسباب الجذرية للصراع وإختار الإنحياز للمؤسسة التي لطالما قطعت الطريق على أي تحول سلمي للسلطة .

ويظل الموقف الأكثر غرابة هو تجاهل الحزب الشيوعي لكل الإنتهاكات التي إرتكبها الجيش السوداني من قصف للطيران وتدمير للبنى التحتية وحملات التصفية الجسدية لسكان الكنابي وأطراف الخرطوم الأمر الذي يجعل التشكيك في مصداقيته ومواقفه الأخلاقية تجاه ما يسميهم بالجماهير .

ودعم الحزب الشيوعي الجيش السوداني تحت لافتة المحافظة على مؤسسات الدولة وإبتعاده عن أي تحالف يدعو لوقف الحرب وتأسيس دولة بأسس جديدة يطيل من بقاء المؤسسة العسكرية وقطع الطريق أمام أي تحول ديمقراطي، وهذا ما تأكد لنا بأن جسور المصالح ممتدة بين الجيش والحزب الشيوعي للحفاظ على كيان الدولة المستبدة والحفاظ على الإمتيازات التاريخية والتي كان الحزب الشيوعي جزء منها عبر كل الحقب والحكومات التي تعاقبت على حكم السودان خاصة مع الخلفية القبلية والجهوية للجيش السوداني ومليشياتها التي يتحالف معها ، فالحزب الشيوعي السوداني متورط وشريك أساسي في إنتهاكات الجيش التاريخية والمستمرة حتى الآن بدافع المحافظة على السلطة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.