أخي الحبيب.. لقد جئت إلى هذا الوطن فتىً نحيفا من بوادي الرحل تحمل قلبك حبا خالصا للإنسان، بلا فضل لعربي على أعجمي أو لدُكّنِ الألوان علي فاتحيها سوى فعل الخير وبذل ما ينفع الناس ويمكث في الأرض الطاهرة الطيبة التي أحببتها فأحبتك..
ثم عَرَفتْ شبابك الأرجاء جسورا في تواضع القادرين، شهما في إباء الأكرمين تنفق يمينك ما لا تعلمه شمالك، تأسو الجراح وتحنو على ذوي المتارب وتواسي ذوي المساغب، وتسهر الليالي الطوال وتقطع الفيافي المِهال نصيرا لكل مظلوم..
وأنت في شرخ الكهولة لم تبرح نزاعا أو فتنة بين قبيلة وأخرى، وفخذٍ أو بطن وآخر إلا وقد كنت السباق الفياض إلى سهر الليالي الطوال والاستماع الصبور الذي لا يمل أو يكل حتى تنزع الفتائل وتطفئ النيران، وتُلزم، في حنو باذخ، الفرقاء طائر الضمانات، فأسمتك البلاد والعباد حكيم الزمان..
أخي الحبيب.. لقد أخذتك هذه الحرب الغاشمة من دنيا الفانين، وقد بذلت كل ما بوسعك من طاقة وأجزلت كل ما تملك من فعل في سبيل منع وقوعها فجمعت بين الفرقاء يوما إثر يوم وتعهدت المصالحات وأشرفت على العهود والمواثيق..
ولما أشعلت، من إصرارٍ أثيمٍ، الفئةُ الباغية أوار الحرب لم تُعوِزك حكمتك أن تمكث هُنيهةً حتى تميز الحق من باطل الأباطيل، أو تصفُن لحظةَ من وسنِ الجمود، فإنطلقت في فعل الرجال مدافعا عن وطنك؛ قضيتك التي لطالما آمنتْ بك، وأخلصتَ لها العطاء..
وفي أتون الحرب وشرر أوزارها كنت أنت النجم القطبي تقوم بتحرير الخلق وتطهير الأرض من أرجاس الظلم والفساد ولمّا تزال، كالعهد بك، تبذل العدل والمصالحات وتبث الطمأنينة والأمان فشهدت بذلك زالنجي ومليط وكل ربوع وسط وشمال دارفور حتى الفاشر التي أخذتك من الوطن غيلة..
لقد جاءت ذكرى صعودك البهي إلى السموات العلا والناس في الأرض الحرام يقفون اليوم بعرفات يجهدون في الصيام والصلاة والدعاء، وفي بلادنا؛ بلادك، التي أحبتك ، ما يزالون يدفعون الظلم والعدوان ويشخصون بالدعاء إلى العلي القدير لك في علياء البهاء وللوطن..
أخي الحبيب علي يعقوب.. إن الأرض التي أحببتَ ثُريّاها هاهو ثراها الطهور قد ضم في حنوٍ شاهقٍ جسدَك الطاهر يبشر العباد والبلاد بالنصر على ليل الطغاة وحيف كل فئة باغية.. طبتَ أخي في بهاء الوطن وحض٦ور الغياب..
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.