العيد .. البغل .. الحمار .. والنصر
🔺علي أحمد
كانت إجازة العيد فرصة مثالية للاسترخاء ومشاهدة التلفزيون، وتحديدًا الأفلام الوثائقية على منصتي المفضلة (نتفليكس)، إلى جانب الانغماس في القراءة – السهلة وغير المرهقة – أي تلك التي لا تتطلب مجهودًا ذهنيًا كبيرًا.
ودون تخطيط مسبق، وجدت أن جميع قراءاتي كانت عن الحيوانات وعلومها، ولا أدري ما الذي قادني إلى ذلك، إذ لم أختر الموضوعات، بل وجدت نفسي غارقًا فيها. ربما كان ذلك نوعًا من الاستعداد النفسي الذاتي للتكيف مع هذا العالم المتوحش الذي تعيشه بلادنا، حيث تسود الوحشية المشهد السياسي، وتتصدر كائنات افتراسية ملتحية المشهد العسكري – حيوانات من الفصيلة الكلبية غير المستأنسة تمارس أبشع الجرائم، من ذبح وسحل ونهش للأكباد، في أفعال تقرف وتشمئز منها وحوش الغابة!
جرفتني القراءة، دون قصد، إلى عوالم البغال، هذه الكائنات التي، رغم وجودها في حياتنا كحيوانات ثقيلة وغبية وقوية قوة مدمرة، إلا أنها لا تتوالد فيما بينها، حتى إنها كانت مضرب مثل عند العرب قديمًا حين كانوا يريدون التعبير عن استحالة وقوع شيء ما، فيقولون: “عندما تلد البغال”. ومع ظهور الإسلام، ترسخ الاعتقاد لديهم بأن قيام الساعة سيكون مصحوبًا بأحداث غير مألوفة، من بينها ولادة البغلة.
استحالة توالد البغال، رغم استمرار وجودها في الحياة حتى يومنا هذا، دفعني إلى البحث عن الجذر العلمي الذي يفسر بقاءها بيننا رغم عجزها عن التكاثر فيما بينها. خاصة وأنه من المعلوم للجميع أن البغال نشأت في البداية نتيجة صدفة ولحظة جنونية نادرة غابت فيها أنثى الحمار (الإتان)، فتلاقح ذكر الحمار مع أنثى الحصان (الفرس)، فجاء البغل نتيجة لهذه العلاقة غير الطبيعية. ومنذ تلك اللحظة الحمارية الشبقة، لم يعد البغل قادرًا على إنتاج نفسه بنفسه، إلا عبر تكرار العلاقة القديمة بين الحمار والحصان. ومن هنا بدأت رحلتي في الفضول والبحث.
من المعلوم أن عدد كروموسومات الإنسان 46، نصفها موجود في الحيوان المنوي والنصف الآخر في البويضة، أي 23 كروموسومًا داخل كل من المرأة والرجل. ومتى اندمج الحيوان المنوي مع البويضة، صار العدد 46، وهو الذي يكتمل به الإنسان. بينما عدد كروموسومات الحمار 31، فيما تمتلك أنثى الحصان 32، وعند اندماجهما يصبح المجموع 63 كروموسومًا، وهو عدد فردي يجعل الخلايا جسدية وليست خلايا جنسية تحتاج إلى اكتمال عدد زوجي للتخصيب. لهذا السبب، يظل البغل غير قادر حتى اليوم على إنتاج نسل خاص به.
ومع ذلك، شهد العالم تسجيل حالتين نادرتين لولادة بغال، إحداهما في المغرب والأخرى في أمريكا، وقد عدّها العلماء صدفتين علميتين نادرتي التكرار. وقد يقول قائل إن البغال ربما وُلدت في بلدنا السودان، ذلك البلد البعيد عن أي منجز حضاري أو علمي أو فكري أو إنساني عالمي، وشخصيًا لا أستبعد ذلك. فلا يعقل أن يكون: مناوي، التوم هجو، مالك عقار، شيبة ضرار، وجوقة خبراء الجزيرة الاستراتيجيين نتاج انقسام كروموسومي زوجي طبيعي للرقم 23. وأما “ياسر العطا”، فذاك حمار خالص لم يتهجن بحصان أو غيره، راضٍ بكروموسوماته، وهي راضية به.
هذه الكتابة ليست لغرض ترفيهي أو سياسي أو علمي، وربما هي مجرد تمرين ذهني بعد استراحة استمرت أربعة أيام، عقب عامين من الكتابة اليومية المتواصلة، لم تتوقف بسبب عطلة رسمية أو أسبوعية. والتمارين الذهنية مطلوبة أكثر من التمارين الرياضية، فما أصعب الكتابة وما أسهل الرياضة، خاصة ونحن مقبلون على تحولات جديدة في بلادنا بعد انسحاب قوات الدعم السريع من العاصمة الخرطوم، ودخول الميليشيات والكتائب الإسلامية (المؤقت). إنها لحظة تحوّل فارقة يجب علينا جميعًا الوقوف عندها وأخذ العظة والعبرة منها، كلٌّ في مجاله، سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا.
الفترة المقبلة تتطلب مواجهات صعبة مع النفس ومع الآخرين، وتحتاج إلى استعدادات نفسية وذهنية كبيرة، وقدرة عالية على الصبر، وتقبّل النقد، وجلد الذات. وشخصيًا، لست قلقًا من الكيزان، فهؤلاء الفسدة الجبناء لن يحكموا مرة أخرى، وإن وُلِدت البغال.
،،، نواصل ..
العيد القادم الجميع بخير، وبلادنا في سلام واستقرار وازدهار، بلا برهان أو كيزان
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.