بعد سيطرت قوات الدعم السريع، الأربعاء، على المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر عقب معارك ضارية مع الجيش والقوة المشتركة، تكون قوات الدعم السريع قد بسطت على سيطرتها على الحدود الليبية والتشادية والوسط افريقية وحدود جنوب السودان بجانب اطلالتها على دولة مصر في الجانب الشمالي.
وقال الناطق الرسمي باسم القوات، المقدم الفاتح قرشي، في بيان، إن الدعم السريع خاضت معارك “خاطفة وحاسمة” ضد الجيش والكتائب الموالية له في منطقة المثلث “انتهت بتقهقر العدو وفراره جنوباً بعد تكبده خسائر فادحة في الأرواح والعتاد”.
ومن جانبه، أعلن الجيش السوداني إخلاء قواته لمنطقة المثلث، وقال في بيان مقتضب إن ذلك يأتي في إطار ترتيباته الدفاعية لـ”صد العدوان”. بالمقابل، قالت وسائل إعلام ليبية إن القوة المشتركة السودانية هاجمت مركبة لكتيبة “سبل السلام” التابعة للجيش الليبي أثناء مواصلة دورياتها في الجنوب الشرقي من البلاد في إطار مهمة تتعلق بتعزيز الأمن وحماية الحدود. وأفادت بأن الهجوم على كتيبة “سبل السلام”، وأسر عنصرين منها، تم خلال مطاردة المجموعة الليبية لسيارات مهربة عبر الحدود السودانية، الأمر الذي ينفي ما يتردد حول اشتباك القوة المشتركة مع متحرك يتبع للدعم السريع.
الجيش الليبي: مزاعم الجيش السوداني “محاولة مفضوحة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية وخلق عدو خارجي افتراضي”.
وقبل إعلان انسحابه من منطقة المثلث بيوم واحد، اتهمت القوات المسلحة السودانية، في بيان رسمي، الثلاثاء، الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر بتنفيذ هجوم على النقاط الحدودية الخاضعة لسيطرتها في منطقة المثلث. وأضاف أن ما أسماه بـ”التدخل المباشر” لقوات خليفة حفتر إلى جانب الدعم السريع يعتبر “تعدياً سافراً على السودان وأرضه وشعبه وامتداداً للمؤامرة الدولية والإقليمية على بلادنا تحت سمع وبصر العالم ومنظماته الدولية والإقليمية”.
وأشار الجيش إلى أن السودان سيتصدى لما وصفه بـ”العدوان السافر” وأنه سيدافع عن سيادته الوطنية “مهما بلغ حجم التآمر والعدوان المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة ومليشياتها في المقابل، نفت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، الثلاثاء، الادعاءات بشأن مهاجمة قواتها للأراضي السودانية، معتبرة أن مزاعم الجيش السوداني “محاولة مفضوحة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية وخلق عدو خارجي افتراضي”.
وقالت قيادة الجيش الليبي، في بيان إنها تابعت “باستغراب شديد” ما ورد في البيان الصادر عن القوات المسلحة السودانية، مؤكدةً أنه “تضمّن مزاعم باطلة” بشأن تدخل قواتها في مناطق حدودية سودانية بهدف الاستيلاء عليها والانحياز لأحد أطراف الصراع. وأعلنت رفضها القاطع لما وصفته بـ”المحاولات المتكررة” للقوات المسلحة السودانية للزج باسم ليبيا في الصراع مع هذا الطرف أو ذاك سودانيًا كان أو إقليميًا، مضيفة أن ذلك يعتبر “أسلوب مكشوف لإثارة الفتنة الإقليمية وتصفية الحسابات الداخلية في السودان”.
وكشف البيان عن اعتداءات متكررة من الجيش السوداني على الحدود الليبية، وهو أمر “آثرنا معالجته بهدوء حفاظًا على حسن الجوار، مع احتفاظنا بحق الرد على أي خرق”. وأعلنت قوات الدعم السريع استعدادها لفتح معبر المثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان لتوظيف المعبر بشكل ايحابي لتسهيل عبور المساعدات الانسانية للمدنيين بدارفور وكردفان ،بشكل إيجابي، في وقت اكدت فيه ، أنها تضع جميع إمكاناتها تحت تصرف منظمات العون الإنساني، لتأمين قوافل الإغاثة وضمان وصولها إلى مستحقيها بأمان وكفاءة.
المثلث ارتبط بجرائم الاتجار بالبشر وتمويل الجماعات المسلحة وتنشط فيه الشبكات العابرة للحدود بما فيها المرتبطة بتنظيم الأخوان المسلمين الدولي “الإرهابي””.
كما تؤكد قوات الدعم السريع، أنها ستعمل لأجل تعزيز مسار مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وإعادة فرض سيادة القانون، وتأمين المعبر الذي طالما استغلته حركات المرتزقة في التعاون مع عصابات تجارة المخدرات وتجارة السلاح والجريمة العابرة للحدود بما يهدد الأمن الإقليمي
إن منطقة المثلث لا تكتسب أهميتها من موقعها الجغرافي فحسب، باعتبارها نقطة التقاء بل من كونها محوراً اقتصادياً واستراتيجياً يمكن أن يعزز التعاون الإقليمي في مجالات التجارة والتنمية والاستقرار.. ومن جانبه ، قال تحالف السودان التأسيسي “تأسيس”، إن تحرير المثلث الحدودي مع ليبيا ومصر يُمثّل “خطوة حاسمة في تجفيف أحد أخطر معابر الهجرة غير الشرعية نحو دولة ليبيا ومن ثم أوروبا”.
وأوضح التحالف، في بيان اطلعت «الجماهير» على نسخة منه، أن منطقة المثلث كانت قد تحولت إلى مسار “ارتبط بجرائم الاتجار بالبشر وتمويل الجماعات المسلحة وتنشط فيه الشبكات العابرة للحدود بما فيها المرتبطة بتنظيم الأخوان المسلمين الدولي “الإرهابي””.
وعدّ البيان السيطرة على المثلث بكونها خطوة تسهم في حماية الأرواح، وتعزيز الأمن الإقليمي، إضافةً إلى “الحد من التدفقات غير النظامية التي تشكل مصدر تهديد لأمن واستقرار الشركاء الدوليين والإقليميين”. وفي ذات الصعيد قال المفكر والخبير السياسي المتخصص في قضايا الحكم والتنمية دكتور الوليد مادبو قال في سجل الخيانة الطويل الذي كتبه نظام الإنقاذ بالدم والكذب والخراب، لا يغيب قرار واحد عن كونه طعنة في خاصرة الهامش. غير أن من أكثر تلك الطعنات خسةً ونذالة، قرارهم بتحويل نقطة الجمارك عام 1992 من مدينة مليط في دارفور إلى دنقلا في أقصى الشمال، دون موجب اقتصادي إلا توطين الامتياز في عروقهم الجهوية.
وأضاف لقد اختاروا أن تُهَشّ أذن دارفور لا من حيث هي، بل من وراء الرأس، من دنقلا فالخرطوم ثم إلى حيث الجرح والموت والخذلان في دارفور وكردفان. إنها سياسة التحكم في شريان البلاد التجاري لصالح فخذ قبلي واحد، وعزل الأطراف عزلاً اقتصادياً يعادل في خطورته التصفية العرقية المسلحة.
مادبو: ومع السيطرة على المثلث، تُفتح نوافذ جديدة للتنفس. نوافذ على تشاد وليبيا ومصر، لا تمر عبر عنق الزجاجة في بورتسودان ولا عبر كمائن الخرطوم
وتابع أراد نظام الإنقاذ أن يجعل من دنقلا بوابة البضائع، لا لأنها الأصلح ولا لأنها الأقرب إلى الأسواق، بل لأنها الأقرب إلى القلب العنصري للنظام. هناك، حيث يُحتَسَب كل برميل وقود وكل جوال سكر وكل إطار شاحنة، ضمن عائدات الإقليم الشمالي، بينما تُركت دارفور لتدفع ثمناً مضاعفاً.
لم تكن مليط مجرد نقطة جمارك، بل كانت جسراً لكرامة الناس في غرب السودان، نافذة يدخل منها رزقهم، ويد تمسك بخيط من خيوط السيادة الوطنية على تجارتهم. حين نُقلت تلك النقطة إلى دنقلا، نُقلت معها الملايين من الجنيهات شهرياً، لتمول مشروعات رصف الطرق إلى القصر الجمهوري، بينما ظلت شوارع كتم وكبكابية ومليط تغرق في الوحل.
واشار الي ان هذا قرار لايعتبر اقتصادي، بل قرار عقابي جائر، اتُخذ بمنطق أن دارفور لا تستحق سوى الحصار، وأن كردفان لا يُفتح لها باب إلا إذا عَبَر من فوقه القائد الجهوي، حامل مفاتيح الميزانية بأصابعه الشمالية.
واكد مادبو انه ومع السيطرة على المثلث، تُفتح نوافذ جديدة للتنفس. نوافذ على تشاد وليبيا ومصر، لا تمر عبر عنق الزجاجة في بورتسودان ولا عبر كمائن الخرطوم. نوافذ اقتصادية، وثقافية، واجتماعية، تُخرج دارفور وكردفان من عزلةٍ فرضتها عليهم الخرائط المصنوعة في غرف ضيقة داخل قصور الجهوية والاستعلاء. لافتا الي ان هذا المثلث ليس مجرد تقاطع حدود بين مصر وليبيا والسودان، بل قلب نابض في الجغرافيا السياسية لغرب السودان. من هناك، تمر البضائع والذهب والوقود، وتُبنى صلات قرابةٍ وتاريخٍ مشترك بين شعوب عبرت هذه الصحراء لقرون دون تأشيرة
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.