المعروف أن كل الحروب فى منطقتنا التعيسة هى نتيجة لتقاطعات المصالح الدولية والإقليمية تلك التى تلعب فيها المواقع الجيوسياسية لأى بلد دور فى شكل التدخلات الإقليمية والدولية بما فى ذلك القدر التاريخى المرتبط بأطماع القوى الدولية الكبرى وتقسيمها لدول العالم الثالث فيما بعد سايكس بيكو كمناطق للنفوذ الإمبريالى المباشر وقتئذ أو فيما بعد ذلك وبمختلف الطرق الغير مباشرة !
والسودان وموقعه المتميز فى افريقيا وما يزخر به من ثروات وموارد بلا شك كان ومازال مكان أطماع لقوى اقليمية ودولية ظلت حاضرة فى كل فعالياتنا السياسية والإقتصادية والإجتماعية ،
_سياسيآ لا يخفى على كل مراقب أو متابع لأحزابنا السودانية يمينآ أو يسارآ إرتباطها الوثيق بالخارج الإقليمى والدولى من حيث النشأة وديناميكية الأداء ، فأحزاب اليمين ويمين الوسط ، مثل حزب الأشقاء والذى صار الحزب الإتحادى بعد إئتلافه كان يقوم على الإتحاد والوحدة مع مصر ، بينما حزب الأمة والذى تبنى الإستقلال كان أقرب الى المملكة المتحدة ، أما جماعة الإخوان المسلمين فمعروف إنتمائها ومنشأها كجماعة عابرة للأقطار وتعتمد الميكافيلية الدينية إن صح المصطلح وقد اثبتت تجاربها مدى براغماتيتها ولا مبدئيتها !
أما أحزاب اليسار الشيوعى والعروبى فجميعها تم انشأها فى مصر أيضآ على الرغم من أن معقل الشيوعية كانت روسيا ومعقل اليسار العروبى هى الشام ولكن الوصاية المصرية لعبت دورها فى صناعة كل احزابنا السودانية فى معامل مخابرات جارة السوء ، مثلها مثل جيش البازنقر الذى ورثناه بعلاته دون أن نجرى أى تعديل على عقيدته العسكرية التى زرعها المستعمر الإنجليزى المصرى فى أحشائه والتى تقوم على قهر الشعب السودانى وتطويعه لصالح المستعمر !
_ اجتماعيآ عملت المخابرات الدولية والإقليمية أيضآ على فرض عملائها على هرم المجتمع السودانى واختزلت ونمطت وبشكل مخل معانى السودنة والمواطنة لصالح أقلية قبلية (أوليغارشيا) وكرست للسلطة والمال على أيديهم من خلال تسخير أجهزة الدولة العسكرية والمدنية و احتكار فرص العمل والإستثمار والتمويل والتوظيف المدنى والعسكرى واستغلال المال العام للمزيد من التمكين لذات الأقلية العميلة والمتوآطئة مع الخارج !
وعطفآ على عاليه فقد فطن الهامش ولاسيما أهلنا فى جنوب السودان ومن وقت مبكر لإستهبال النخبة الماكرة فوضعوا شروطهم للإنضمام لركب الإستقلال ، شروط تتعلق بالتوزيع العادل فى التوظيف وكيفية إدارة القطر ، وقد نكثت بذلك نخبة 56 فى أول اختبار لها مما أدى الى ثورة توريت 1955م فيما عرف بأنانيا 1 !
ثم كانت اتفاقية أديس ابابا 1972 ثم تم نقضها فى 1983م
فنيفاشا فى 2005م والتى انتهت بانفصال جنوب السودان فى 2011م وبشكل متعمد ومع سبق الإصرار والترصد من قبل جماعة الهوس الدينى أى النسخة المتطرفة لعصابة 56 !
أما الثورة فى دارفور
وكردفان والنيل الأزرق مازالت تراوح مكانها بيد أنها قد توسعت وتعمقت أكثر فأكثر بعد ثورة الخامس عشر من ابريل الفتية ، هذه الثورة التى أشعل أوارها وبغدر خسيس جماعة الإخوان المسلمين وكتائبهم الإرهابية بغية القضاء على فصيل عسكرى أصيل كان يشغل قائده الرجل الثانى فى الدولة بعد أطاحت ثورة ديسمبر برأس النظام الإخوانى عمر البشير ، فى عملية صنفت كإنقلاب داخلى وظفت ثورة الشعب السودانى فى 19ديسمبر 2018 لإنجاحه !
وقد لعب وجود قوات الد.عم السر.يع ضمن كابينة القوة العسكرية دورآ فى الدفع بإتجاه نجاح ثورة الشعب ، الأمر الذى أدى فى آخر الأمر لمواجهة قوات الد.عم السر.يع وشن الحرب عليها !
وعودآ على بدء ، فإن الدور الإقليمى فى اشعال الحرب والعمل على استمرارها كان واضحآ جدآ ، فالطيران الأجنبي المقاتل الذى كان يربض فى مطار مروى منتظرآ لساعة الصفر ، والتدخل السافر فيما بعد وتدمير البنية التحية للسودان بما فى ذلك تدمير المنطقة الصناعية وفى غمرة أوار الحرب حتى تحقق أكبر قدر ممكن من المصالح أثناء وبعد أنتهاء الحرب فيما يعرف بمغانم الفوضى الخلاقة حيث تنشط عمليات التهريب المنظم وتجار الحروب !
لإجابة كافية عن سؤال من المستفيد من كل ذلك ؟
وصحيح أن المعطيات الدولية احيانآ تلعب دور فى التعاطى الإقليمى المتوآطئ مع الأزمة المعنية ولكن تبقى اطماع جارة السوء وشهيتها فى ابتلاع بلادنا مفتوحة ولاغرو إذا ما ربطنا ذلك بمحاولاتها المستميته لتسويق دواعش بورتسودان ، وعندما أصبحت تسويق الجيش كمؤسسة رسمية وابعاده عن الإسلام السياسى الراديكالى مستحيلآ ، حيث يراقب العالم سيطرة الإسلاميين على الجيش واستحالة الفصل بينه وبينهم إلا فى حالة الفصل بين التؤأم السيامي !
لجأت جارة السوء لفكرة حكومة التكنوقراط (الحكومة المدنية الإنتقالية ) ومن قبل حاولت عدة مرات أن تأتى بقوى الحرية والتغيير ممثلة فى تقدم الى معسكر الجيش وفشلت وحاولت تسويق جماعة الموز من حركات النهب المسلح واحزاب الفكة التى كانت واجهات للمؤتمر كقوى مدنية وفشلت ،
واخيرآ إهتدت لأراقوز الكيزان المدعو كامل ادريس الذى كان يستخدمه الكيزان فى انتخاباتهم المزيفة كديكور انتخابى كى توهم العالم بشرعية انتخابات الخمج حتى إهترأ وأصبح كرت محروق، فهل تستطيع مصر تدوير نفايات الكيزان لتلميع وتسويق دواعش بورتسودان الذين تورطوا فى تحويل السودان لبؤرة إرهاب داعشى وايرانى فى المنطقة كما رشح أخيرآ على صدر صحف اسرائيلية معروفة !
اعتقد أن على الجارة المصرية تغيير طريقة تفكيرها النمطى عن الشعوب السودانية التى ما عاد لديها متسع من رفاهية إضاعت الوقت فى إعادة عقارب الساعة الى الوراء والإرتهان الى تخبط نخبة التيه والضياع ، فقد تجاوزت شعوبنا الثائرة محطة سودان 56 وغاصت عميقآ فيما يناسب ثورتنا الفتية من أهداف وطنية لا مناص منها، فالرجوع الى منصة التأسيس وتأسيس دولة المواطنة المتساوية وبشكل يجعل من الجميع مواطنين متساويين فى الحقوق والواجبات بات ضرورة ثورية لا نكوص عنها مهما كلفنا من ثمن !
وعلى مصر أن تشترى المستقبل فعصابة 56 أضحت من الماضى الكئيب فى حياتنا ولن يعودوا من جديد !
والجوار الآمن والمصالح المشتركة ستكون سمة من سمات دولتنا الجديدة والسياسة هى لعبة المصالح المتغيرة !
كنديرة 5/7/2025
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.