رئيس وزراء على طريقة “أمنراعي ساكت”

صلاح شعيب

واضح من خلال التقطير في إعلان كامل وزارة د. كامل إدريس أنه لم يكن ليملك من أمره رشدا. كذلك اتضح أن السيد رئيس وزراء حكومة بورتسودان جاء حقاً بالكاد ليضيف إلى سيرته الذاتية الكثيفة الجدل منصباً ظنه مرموقاً مستحقاً لحياته المهنية، وكفى.
إن كل ما تعلق بخطته التي أعلنها من حيث أنه أراد وزارة للكفاءة مجرد إخراج مسرحي يستحق أن تكون له ملكيته الفكرية الخالصة. ففي مفتتح مخاطبته للأمة السودانية المكلومة نادى كامل بدعوة كل من يستأنس في نفسه التقديم للمناصب الحكومية. ولكن كاملاً المفتقر للخبرة السياسية لم يدرك بعد أن المناصب الحكومية العليا في الدولة تفرضها جماعات المصالح داخل التنظيمات السياسية التي تتحكم في الدولة، وأنها لو كانت تعترف بالكفاءات لما تجاوزت هذه الجماعات علي المك ليكون وزيراً للثقافة، مثالاً. فبلادنا محكومة بهذا التجاهل للكفاءات حتى داخل التنظيمات المؤدلجة نفسها، وتفضل أهل الولاء والطاعة وإلا لتم توزير سيد الخطيب، والتيجاني عبد القادر، والمحجوب عبد السلام، وهم الأكثر تأهيلاً لقيادة وزارة الثقافة، أو التعليم العالي آنذاك. ذلك لو قارناهم بمن تبوأووها من البدريين، وغير البدريين.
من خلال استرداد حركتي جبريل ومناوئ لمقاعدهما بالتحدي في وزارة كامل يتضح أيضاً أن البرهان فرض الأمر على كامل مثل فرضه وزيري الدفاع، والداخلية. أما بقية التكنوقراط فلا بد أن لكامل يداً. ومع ذلك فإضافة البرفيسيرات الثلاثة للوزارة لن يجعل حكومته قادرة على حل مشاكل الزارعة، والصحة، والصناعة، ذلك في وقت تهدم فيه الحرب، ولا تبني.
حكومة كامل هي تحصيل حاصل للأزمات الكبيرة التي تواجه بورتسودان بعد أن حلت محل الخرطوم. ولو كان للبرهان الطاقة لحل هذه الأزمات لما احتاج إلى كامل.
فرئيس السيادي السابق الذي انقلب على الانتقال الديمقراطي، وأعلن الحرب على الدعم السريع بمعاونة الإسلاميين يحاول بكامل – وحكومته – أن يعود بالشرعية الإقليمية، والقارية، والدولية، لحكومته ولكن هيهات. فالعالم يقظ، ولا يقع بالسهولة في أهابيلنا البايخة، والمكشوفة.
موازيين الحرب الداخلية، وتحالفاتها المناطقية، والأيديولوجية، والقبلية، لابد أنها خزلت كاملاً لو أحسنا الظن فيه، على ما في ذلك من انعدام المسوغ. ولذلك فحسبه هو أن يرضى بالمقسوم ليدير وزارة لم يعين أركانها جميعهم، ولا كبير سلطان على ناس الحركات داخل الكابينة سوى أن يعتمد على حكمة العربي الذي رأى الأمر مدلهماً فقال: امنراعي ساكت. فكامل لم يرض من الغنيمة بالإياب فحظه قد كفاه بدخول التاريخ في أول مرة حين أدى القسم.
كامل إدريس ساعي برستيدج First Class. وقد وجد مراده ليظهر لنا أنيقاً مرة بالبنفسجي، وتارة بالبنطال الشبابي المحذق، وبنظاراته الشمسية التي تشابه ما لتوم كروز من مثيلات. وعندئذ فعلينا أن نفهم طبيعة برجوازيته الدولية، لا أن نترجى فيه خيراً ليصير رئيس وزراء كامل الدسم. ولننتظر ماذا يفعل مع وزارء المال، والذهب. فإن راقبهم بحق، وحقيقة، وأظهر عينه الحمراء، فهو ساعتئذ سيكون فعلاً قادراً على صنع المختلف: رئيس وزراء لا يترك وزراءه يوظفون مال المالية، وريع ذاك الذهب، لضرورات زيادة النفوذ، والثروة، والسلطة، وتلك هي غايات جبريل، ومناوي، وطمبور.
إن المترجين في حكومة أمل كامل إدريس تغيير نهج الحكم في بورتسودان حتى يصبح شفافاً، وخادماً للبلابسة حتى ينتصروا، سينتظرون طويلاً. وفي خاتم المطاف فهي مجرد حكومة تحاول خداع أفريقيا، وبقية العالم، في وقت ترى أنت بنفسك أن كل شيء معروف عن نية البرهان لإصلاح أخطائه الكارثية ليكسب شرعية دولية.
لا نريد أن نبخس هذا الإخراج المسرحي البديع لحكومة تليدة، ولكن هم كامل ليس خلق وزارات غير حزبية، أو مليئة بالكفاءات كما قال. فهو سيبقى في وضع أمنراعي ساكت تجاه وزراء الحركات حتى يوفي زمنه كرئيس وزراء أراجوز، والتاريخ سيعرفه كذلك ليس إلا.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.