سرقة الموارد الاقتصادية آفة في جسد الأمن القومي.
د. جمال عبدالحليم النور
وهب المولى عز وجل، بلادنا بموارد اقتصادية هائلة بدلاً من أن يكون مصدر ثراء لشعبنا في النمو والتطور والازدهار، بل أصبحت كالفريسة ينتحلها أعداءها الداخليين والخارجين . مرت بلادنا من ايام الحكم التركي والحكم الثنائي الإنجليزي المصري، بسرقة موارده الإقتصادية، كالذهب و القطن،الثروة الحيوانية، البترول، بتواطوء من أيادي داخلية،خرج الإنجليز من السودان ولكن خلف استعمار داخلي متواطئ مع حليف خارجي، ممسك بالتحكم في إدارة مواردنا بشكل نستطيع القول وكأننا جميعاً في هذا الوطن غرباء، لامسئولية لنا عن حماية أمننا القومي، والتي يعني جملة من المبادئ والقيم والأهداف والسياسات المتعلقة بتأمين وجود الدولة، وسلامة أركانها، ومقومات استمرارها واستقرارها، وتلبية احتياجاتها، وضمان قيمها ومصالحها الحيوية، وحمايتها من الأخطار القائمة المحتملة، داخلياً وخارجياً. وغاية الأمن القومي هو تحقيق الأهداف القومية، لاسيما الحفاظ على الموارد الاقتصادية، وتحقيق الأمن الغذائي، وأيضاً تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة معدلات النمو الاقتصادي. وفق مشروع وطني يترجم احلام وطموحات أبناء الوطن، هذا هوالشئ التي لم يتمكن السودانيين للوصول إليه طوال تاريخهم. والسبب هو عدم وجود إرادة سياسية مربوطة بمشروع وطني مما أدى إلى تهيئة ظروف للعوامل الداخلية والخارجية لسرقة الموارد الاقتصادية، ضمنها تواطؤ النخب السياسية التي تعاقبت في حكم السودان مع الدول التي تنظر بأن العمق الاستراتيجي لأمنها القومي بتكمن في موارد السودان الاقتصادية.
والجدير بالذكر والملاحظ بأن الجارة مصر هي الدولة الوحيدة التي تتكلم بمليء فمها بأن موارد السودان تمثل العمق الاستراتيجي لأمنها القومي. السودان لديه تسعة دولة مجاورة قبل إنفصال دولة جنوب السودان، والآن لديه سبعة دولة مجاورة لن نسمع منهم تفوه بصوت عالي زي ما نراه من الجاره مصر!!. ماهو السبب بالضبط يجعل مصر تتدخل في شؤون أمننا القومي ولم يترك لنا كسودانيين حرية لبناء نظام سياسي مستقر لإدارة مواردنا، ما هي الأسباب وراء ذلك؟.
أولاً : مصر ساهمت مرتين في استعمار السودان أولا عبر الإستعمار التركي المصري، وثانيا عن طريق الحكم الإنجليزي المصري، والإستعمارين كانا هدفهم سرقة موارد السودان .. سرقة المال والرجال وكذلك سرقة القطن والصمغ، والذهب، بل كل خيرات السودان. إضافة على أنه منذ ذلك الوقت باتت مصر تتعامل مع السودان بأنه حديقتها الخلفية ترجع إليها متى ما استدعتها الظروف لذلك . السبب الآخر من نفس الوجه مصر دولة فقيرة من حيث الموارد الطبيعية ولديها نسبة نمو عالي في السكان ولكي يغطي الطلب المتزايد من احتياجات السكان كان لابد له من الحفاظ على أنظمة سياسية وأنظمة حكم هشة في السودان حتى يتمكن من الحفاظ على أمنها القومي واستقرارها، والسبب الثالث أيضاً حسابات الجيوسياسية المربوطة بالبحر الأحمر وقناة السويس بسبب الاضطرابات في البحر الأحمر وباب المندب اثر بشكل كبير في تناقص إيرادات قناة السويس بأكثر من 800 مليون دولار شهرياً .،أيضاً من الأسباب التي قادت الجاره مصر للتمادي بانتقام في سرقة الموارد هو الطلب المتزايد من نمو السكان ونقص مواردها الاقتصادية في تلبية احتياجاتها المحلية.
ثانياً : مربوط بالأسباب الداخلية اي الاستعمار الداخلي ظل أبناء الشمال النيلي منذ سودنة الوظائف باستحواذهم لاكثر من 69%من الوظائف المتعلقة بالحكم والخدمة المدنية، والجيش والشرطة وكذلك التحكم في إدارة الموارد بطريقة تكاملية بين السودان ومصر بالاضافة الى كل الأنظمة الذي تعاقبت في حكم السودان ولغاية الأن، لم تتمكن من استغلاليتها في إدارة السودان لأن مصر لا تسمح بذلك. ولأن اي حكومة قوية تعمل على إدارة موارد السودان واستغلالها بشكل أمثل لبناء ونهضة السودان تأثر في الأمن القومي المصري. لذا تنظر مصر للسودان بأن تكون دولة هشة، حتى تتمكن من سرقة مواردها بشكل مستدام.
لذلك حتى بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة في إزالة نظام عمر البشير ، و اتجهت حكومة الثورة بقيادة الدكتور عبدالله حمدوك لضبط سرقة الموارد الاقتصادية، نجد أكثر دولة وقفت ضد استقرار حكومة الثورة بل عملت بكل ماتمتلك من قوة لتفكيكها وتسليمها للعسكر بمعاونة كيزانية، والأدهى والأمر مازالت مصر تسرق موارد السودان عن طريق المنظومة الأمنية المصرية والمنظومة الأمنية السودانية. مصر تصدر للسودان العاب الأطفال ومنتجات الصرف الصحي وتستورد أجود منتجاتنا من القطن، السمسم، الفول السوداني، الثروة الحيوانية، الصمغ العربي، الكركدي،… الخ. مصر تنتج 45 الف طن من السمسم سنوياً والسودان ينتج 11 الف طن متري من السمسم سنوياً مصر تصدر 100000 الف طن شهريا. طيب السؤال هنا من أين يدتأتي تنمية الصادرات المصرية؟ الإجابة واضحة يأتي من سرقة الموارد السودانية. أيضاً حسب تقرير أميرة عاصي( بأن المساحات المزروعة في مصر من السمسم تتراوح بين 40 – 60 الف فدان سنوياً). وهذه المساحة المزروعة بالسمسم لاتساوي 5% من المساحة المزروعة في السودان. إذا واضح ان ترقية صادر السمسم لدى مصر من سرقة سمسم السودان.
الأمر الآخر مصر تصدر صمغ عربي بما يزبد عن قيمة مليار دولار سنوياً في حين أنها لا تملك ولا شجرة هشاب واحد من أين لها تلك المورد؟. لأن السودان يستحوذ على 80٪ من الإنتاج العالمي للصمغ العربي الإجابة بكل بساطة من سرقة صمغ السودان.
أورد د. عبداللطيف محمد سعيد في مقالة الذي نشر في موقع (النورس نيوز)، أورد فيه كلمة لوزير التجارة والصناعة المصري. أحمد سمير صالح، الذي قال (بعون الله تشهد مصر نهضة صناعية وتجارية مطردة، أهلها بكسب ثقة الدول الأوربية والعربية وحتي دول الجوار الأفريقي، يقول الوزير بحمدالله قفز مستوى عدد المصانع في مصر من 320 في 2016م إلى 1200 مصنع في عام 2022م ويقول يشكل هذا نهضة غير مسبوقة على المستوى العربي والافريقي بل على مستوى العالم، وفعلاً يوجد حالياً أكبر منظومة صناعات مصرية أسس في جنوب مصر لإستقبال المنتجات الأولية القادمة من السودان وخلق قيمة مضافة لها و تصديرها بشهرة مصرية.
إذا سؤال من أين جاءت تلك النهضة؟.
الإجابة بكل بساطة يرجع إلى سرقة المواد الأولية من السودان بسبب عدم وجود رقابة على المنتجات السودانية، صمغ عربي، سمسم، قطن، فول سوداني، كركدي، قمح، دخن، وغيرها من المنتجات الزراعية. بالإضافة إلى المعادن كالذهب والنحاس والكروم، والحديد من المعادن التي ترفد مصانعهم. لذا هذا هو السبب الرئيسي وراء تدمير الاتفاق الاطاري والاحتماء بالجيش من أجل خلق نظام هش يسهل استخدامه لسرقة موارد السودان.
أيضاً تشير تقارير وزارة المالية بأن صادرات السودان من الثروة الحيوانية ارتفعت عام 2023م مقارنة بعام 2022م، رغم ظروف الحرب حيث بلغت المواشي الحية 4،72 مليون رأس، إضافة إلى اللحوم 5،89 ملايين طن، بينما سجلت صادرات الجلود 1،75 مليون طن بقيمة 552،46 مليون دولار، حيث يقول مقرر شعبة مصدري الماشية الأسبق خالد وافي، أن كل موارد الثروة الحيوانية منذ حرب 15 أبريل، جرت سرقتها بما يعادل 7 مليون ونصف رأس من الماشية ولم يدخل منها ولا فلس واحد إلى خزينة الدولة.
علاوة على ذلك الجارة مصر وجدت ضالتها في سرقة موارد السودان كما أشرت منذ بداية خروج الإنجليز والجدير بالذكر هنا حسب اتفاقية مياه النيل المنعقد بين السودان ومصر في عام 1959م، تنص على حصول مصر 55،5 مليار متر مكعب من مياه النيل سنوياً بينما يمنح السودان 18،5 مليار متر مكعب، طيب يبلغ إجمالي ما يستخدمه السودان من حصته في مياه النيل 12 مليار متر مكعب والباقي 6،5 مليار متر مكعب عبارة سلفية لمصر بدلاً من نستخدمه لتغطية طلبنا المتزايد لحوجتنا في غرب وشرق السودان.
ويقول مستشار الإدارة القانونية للمياه بالبنك الدولي سلمان محمد أحمد لم تحدد اتفاقية مياه النيل وقت سداد السلفية ولا حتى طريقة سدادها، ولم يتطرق الاتفاقية لما ينشأ في حالة فشل مصر أو تأخرها في السداد، إذا هذا مايؤكد بشكل واضح استغلال سرقة موارد السودان. ويؤكد سلمان بأن مافشل السودان استخدامه من مياه النيل خلال 55 سنة الماضية يبلغ 350 مليار متر مكعب.
السؤال هنا لماذا السودان تترك مواردها المائية مهملة لمصر بهذه الطريقة في حين السودان لديها شح مائي في الشرق كذلك
في كردفان ودارفور ماهو السبب وراء إهمال وسرقة موارد السودان بهذا الشكل ؟
انطلاقاً من السردية أعلاه وحبنا العميق تجاه هذا الوطن المعطاء التي تكالبت عليه المحن منذ تاريخ طويل ، وحتى نحافظ على ماتبقى يجب على أبطال تحالف السودان التأسيسي وضع الحلول أدناه نصب أعينهم :-
1/ يجب على حكومة السودان التأسيسي وضع قوانين وسياسات محكمة لضبط سرقة موارد السودان الاقتصادية.
2/ يجب على حكومة السودان التأسيسي مراجعة اتفاقية مياه النيل ومطالبة مصر بسداد سلفية السودان من مياه النيل والبالغ قدرها 350 مليار متر مكعب وذلك لتوزيعها إلى المناطق التي تنقصها المياه كشرق السودان وغرب السودان.
3/ الاتجاه نحو التصنيع لخلق قيمة مضافة لمنتجاتنا الأولية ويجب خلق وتطوير العلاقات مع دول الجوار والدول الصديقة لخلق تبادل تجاري محترم.
4/ طول البحر الأحمر في السودان 780 كلم يصلح لإنشاء 10 ميناء ممكن يسهم في رفد الاقتصاد القومي بمليارات الدولارات يجب وضع نصب أعيننا فيه. عليه يجب ألا نترك سواكن و بورسودان للكيزان يعبثوا بمقدراته لازم يعاد الحسابات هناك لأن شعبنا في الشرق.
وفي الختام مواردنا هى السر الذى عبره نستطيع أن نتفوق ونكون في مواقع متقدمة بين الأمم والدول لذا يجب استغلالها بشكل امثل حتى ننعم بالتقدم والرفاهية والازدهار لشعبنا.
يقول الفيلسوف سلافوي جيجك(( الخيار ليس بين الثورة أو الفوضى، بل بين التغيير الحقيقي أو استمرار الأزمة إلى الأبد)).
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.