الحركات المسلحة تنتصر في معركة الحقائب الوزارية، وتُعيد رسم موازين القوة داخل معسكر بورتسودان

بورتسودان - عين الحقيقة

اشتعلت الساحة السياسية في الأشهر الماضية في مدينة بورتسودان، حيث تمارس حكومة الأمر الواقع برئاسة قائد الجيش، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، سلطتها وسط فراغ سياسي وتمدد عسكري، في مشهد سياسي ملتوي تتصارع فيه تحالفات عسكرية في حقائب وزارية أُعلنت مؤخراً برئاسة الدكتور كامل إدريس.
ولم يكن الصراع هذه المرة عسكرياً بالمفهوم الكلاسيكي، بل كانت معركة نفوذ سياسي وصراعات مصالح واسعة بين تيارات مسلحة متباينة داخل حكومة بورتسودان، التي تشكلت تحت ضغط الواقع الميداني وتعقيدات الانقسام السوداني.
أثار اختيار الدكتور كامل إدريس، الأكاديمي والمدير السابق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة، لرئاسة حكومة الأمر الواقع، في بورتسودان جدلاً واسعاً في بداية الأمر.
إلا أن تطورات المشهد في بورتسودان أظهرت أهمية وجوده على رأس الحكومة، كعامل توازن مهم وسط التكتلات العسكرية المتنافسة على السلطة والثروة.

مصادر: الصراع حول التشكيل الوزاري الجديد شهد سجالات حادة بين رئيس وزراء حكومة بورتسودان، وحركتي العدل والمساواة، وتحرير السودان 

وفي قلب هذه التجاذبات السياسية والعسكرية، دخلت القوات المشتركة، التي تتكون من تحالفات عسكرية تضم فصائل حركات مسار دارفور المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، فضلاً عن جنرالات الجيش مدعومين بكتائب الحركة الإسلامية، في معركة إثبات الوجود السياسي والإداري، باعتبارهما القوة الفعلية على الأرض، وهي من تتحكم في مفاصل التشكيل الوزاري الجديد، مع ضمان نصيبهما في السلطة والثروة.
وبدورها كشفت مصادر مقربة من دوائر صنع القرار في بورتسودان لصحيفة “عين الحقيقة” أن الصراع حول التشكيل الوزاري الجديد شهد سجالات حادة بين رئيس وزراء حكومة بورتسودان، وحركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، ممثلو القوات المشتركة سياسياً وعسكرياً، مؤكدين استطاعة القوات المشتركة من حسم الصراع لصالحهم، بإقتناص عدداً من الوزارات، السيادية، والاقتصادية، والخدمية، أبرزها: وزارة المالية، ووزارة الموارد البشرية والرعاية الاجتماعية، والأوقاف والشؤون الدينية، والمعادن، والطرق والجسور، ومناصب أخرى.

محلل سياسي: رئيس الوزراء، د- كامل إدريس، تنازل عن موقفه حول تشكيل حكومة الكفاءات الوطنية على مضض..

وللإحاطة بملابسات تحالف بورتسودان حول التشكيل الوزاري الجديد، يقول المحلل السياسي عبدالكريم محمد الضي: إن رئيس الوزراء، د- كامل إدريس، تنازل عن موقفه حول تشكيل حكومة الكفاءات الوطنية على مضض، باعتبار أن هذه المرحلة بحاجة ضرورية لتسوية بين قيادات الجيش والقوات المشتركة وكتائب الحركة الإسلامية،، مستطرداً أن إدريس تمكن من هندسة توافق هش، لكنه غير كافٍ لضمان استمرار حكومته دون صراعات أخرى في المرحلة المقبلة.
وأضاف” أن رضوخ رئيس وزراء بورتسودان على إعادة تعيين وزراء الحركات المسلحة تارة أخرى وسيلة ماكرة لفرض الاستقرار في شرق وشمال السودان لا سيما المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش، رغم هشاشة الوضع الأمني والسياسي في المنطقة.
وتابع قائلا: انتصار القوات المشتركة في التشكيل الوزاري الجديد لم يكن مجرد مكسب في لعبة توزيع المناصب فحسب، بل حمل في طياته رسالة قوية إلى القوى السياسية والعسكرية الأخرى، سواء في الداخل أو الخارج، بأن التشكيل الوزاري الأخير عكس واقعاً جديداً في موازين القوى: من يمتلك السلاح والنفوذ على الأرض هو من يحصد المكاسب في حكومة بورتسودان.
بيد أن ثمة مراقبين يؤكدون ما ذهب إليه المحلل السياسي في حديثه، بالقول: إن المعادلة السياسية في بورتسودان تنذر باستمرار عسكرة الدولة، وفي ذات الوقت، تجبر القوى السياسية التقليدية على إعادة حساباتها في هذا التوقيت، خصوصاً تلك القوى التي ما تزال تراهن على الحلول عبر الطاولات الخارجية او المبادرات الدولية التي أصبحت غير مؤثرة في الوقت.

مراقبون: انتصار المشتركة في معركة التشكيل الوزاري الجديد، في مواجهة رئيس وزراء حكومة بورتسودان، كامل إدريس، ينذر بالعديد من التحديات..

وحذر المراقبون من أن انتصار القوات المشتركة في معركة التشكيل الوزاري الجديد، في مواجهة رئيس وزراء حكومة بورتسودان، كامل إدريس، ينذر بالعديد من التحديات، علاوة علي المسؤوليات الملقاة على عاتقهم في هذه المرحلة المفصلية، بقبولهم مناصب وزارية تتطلب منهم التحول من قوة ميدانية عسكرية إلى جهاز إداري وتنفيذي قادر على تقديم الخدمات للمواطنين في ظل الانهيار الاقتصادي، وتدمير البنية التحتية، وتصاعد أزمات النزوح واللجوء، منوهين إلى أن هذا الانتصار قد لا يمر دون ردود فعل من القوى المُغيبة عن الحكومة، سواء داخل بورتسودان أو في مناطق النزاع الأخرى، متخوفين من توسيع رقعة الاحتقان في البلاد بسبب التشكيل الجديد، مع تهميش بعض التيارات التي كانت تنتظر دوراً أكبر في المرحلة الانتقالية
وفي السياق أبان، قيادي بارز بالحركات المسلحة، فضل حجب اسمه، أن المكاسب السياسية التي حققتها القوات المشتركة في حكومة كامل إدريس تظل مرهونة بقدرتها على إثبات جدارتها في إدارة الدولة، وحفظ الأمن، وتحقيق نوع من التوافق مع المكونات الأخرى، مستدركاً: أن البلاد منهكة بالحروب والانقسامات، ولم تعد تحتمل المزيد من المحاصصات الفوقية غير المستندة إلى قاعدة شعبية.
إلى ذلك، دعا القيادي حكومة بورتسودان الجديدة برئاسة كامل إدريس، والقوى العسكرية المتحالفة معه، إلى وضع خطط واضحة لإدارة المرحلة القادمة، تبدأ بفتح مسارات لحوار سوداني حقيقي، وإصلاحات اقتصادية عاجلة، تنتهي بتهيئة المناخ لسلام شامل يُنهي حقبة الانقلابات والتحالفات العسكرية المؤقتة.
وما بين هذا وذاك، يُشكل انتصار القوات المشتركة في معركة الحقائب الوزارية في بورتسودان انعكاساً للواقع السياسي المعقد الذي تعيشه البلاد، ومؤشراً سياسياً خطيراً يفرض توازنات جديدة وسط تيارات بورتسودان المتحالفة على أسنة الرماح، في ظل مواجهات عسكرية شاقة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما من شأنه أن ينهك القوى الوطنية الحية التي تنشد السلام والاستقرار في البلاد.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.