برز اسم نورالدائم محمد أحمد طه، القادم من دوائر حزب المؤتمر الوطني المباد بولاية جنوب دارفور – نيالا، إبان عقد ونيف مضت، في المركز القيادي لحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، فأصبح لاعباً أساسياً في مجمل ملفاتها السياسية والإعلامية، فضلاً عن أنه لاعب غامض ومثير للتنازع والمؤامرات تجاه رفاقه، يخطط في العلن وفي الظل، إلى أن أصبح يوصف في أوساط الحركة وخارجها برجل المؤامرات المتمرس.
وزير المعادن الحالي ومساعد رئيس الحركة للإعلام والعلاقات والعامة، الذي يفتقر للتاريخ السياسي في الجامعات السودانية والسجل النضالي بساحات الكفاح المسلح، بل لم يُعرف عنه سيرة معتبرة في المؤسسات العسكرية، والسياسية للحركة، منذ تأسيسها في العام 2003، سوى إعلان انضمامه للحركة في بريطانيا في العام 2012.
غادر نورالدائم طه ولاية جنوب دارفور، خلال عقد ونيف منصرمة، متجهاً إلى العاصمة البريطانية، مبتعثاً من أجهزة الحركة الإسلامية لدراسة اللغة الإنجليزية، فأمضى أعوامه الأولى في الدراسة، علاوة على نشاطه في تجمع روابط أبناء دارفور بالمملكة المتحدة، الواجهة الإجتماعية التي اتخذها للانضمام لحركة العدل والمساواة، بتوجيه من أجهزة حزب المؤتمر الوطني الأمنية لاختراق الحركات المسلحة من الداخل.
غير أن فشله في المهمة دفعه لتقديم استقالته من حركة العدل والمساواة في العام 2011، معلناً انضمامه لحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، مستغلاً نفوذ شقيقه الأكبر عبدالحفيظ محمد أحمد طه في قيادتها العسكرية.
ومنذ ذاك الحين، تمدد في مفاصل الحركة للعلاقة العشائرية التي تربطه برئيسها “مناوي” فبرز دوره الإعلامي، بجانب الملفات الداخلية والخارجية للحركة، لا سيما اللجنة الوطنية لإنفاذ اتفاق جوبا التي يتولى مقررها.
ووفقاً لتصنيف الفاعلين بقوى الكفاح المسلح من إقليم دارفور، فإن نورالدائم طه ينتمي لجيل قيادات المرحلة الثانية لحركات دارفور المسلحة، أي جيل العشرية الثانية عقب توقيع اتفاق ابوجا في عام 2006، فبدأ صعوده السياسي بحركة تحرير السودان من بوابة العمل الإعلامي، قبل أن يتحول تدريجياً إلى أحد أقرب المستشارين لرئيس الحركة مني أركو مناوي، متسللاً بهدوء بالمواقع القيادية الحساسة بالحركة، ناسجاً تحالفاته الخفية، مستثمراً في خلافات وصراعات رفاقه الداخلية لفرض نفسه كصاحب قرار مؤثر، دون أن يظهر في الصفوف الأمامية.
وفي ضوء ذلك، أكدت قيادات عسكرية وسياسية في الحركة لصحيفة “عين الحقيقة” ، أن نورالدائم طه، يجيد لعب دور “رجل الظل” في أداء المهمات السياسية الحرجة في الحركة نيابة عن رئيسها “مناوي” دون أن يظهر علانية في المشهد العام، غير أنه حاضر في كل الملفات الداخلية الكبرى.
بينما تصف قيادات مطلعة بالحركة نورالدائم طه،، بمهندس عمليات الإقصاء التنظيمي والسياسي التي طالت قيادات بارزة خلال السنوات الأخيرة، من بينهم القيادي البارز بالحركة ومساعد رئيس الحركة للإعلام والعلاقات العامة السابق، متوكل محمود موسى، بجانب أمين الإعلام الحالي، محمد حسن هارون، الملقب ب”أوباما” عبر دسائسه المحكمة التي تقود خصومه إلى العزل أو الإبعاد من الدوائر المقربة لرئيس الحركة “مني أركو مناوي” .
وفي سياق متصل، يرى قيادي بارز في حركة تحرير السودان، فضل حجب اسمه، أن تحالف “مناوي -نورالدائم” قائم على تبادل المصالح والمهام، فبينما يتولى مناوي قيادة المشهد العام وتقديم الخطاب السياسي، يتفرغ نورالدائم لإدارة الغرف الخلفية، وتصفية الخلافات والصراعات الداخلية قبل أن تصل إلى السطح، مستدركاً أن مناوي يفضل الإبقاء على نورالدائم في هذا الدور لأنه يخلصه من “الصداع الداخلي”، ويتيح له التركيز على الصورة العامة، مستطرداً أن تحالف نورالدائم ومناوي أثار امتعاض قيادات الحركة خشية من تحولها لمؤسسة فردية تُدار عبر رجال “الغرف المغلقة”، بعيداً عن المؤسسية او الشفافية التنظيمية، منوهاً إلى أن مناوي -نورالدائم حولوا الحركة إلى مزرعة خاصة، يُحيكون فيها المؤامرات، يوزعون فرص المشاركة السياسية للمقربين من ذوي الولاءات.
وحول شخصية نورالدائم طه الانتهازية، يقول مراقبون إنه عُرف بضبابية المواقف الاجتماعية والمواقف السياسية المتقلبة، ما جعله محل انتقاد حتى من أقرب حلفائه، لافتين إلى أنه في المناسبات الخاصة بالحركة يقدم نفسه كشخص وفاقي متصالح مع ذاته والآخرين، قبل أن يتحول فجأة إلى داعم فاعل ومؤثر لمسار كيان رئيس الحركة “مناوي” العشائري، على حساب القيادات السياسية والعسكرية الجديرة بالمواقف السياسية والإعلامية في الحركة.
وفي ذات المنحى، يعتقد خصومه أن هذه “البراغماتية المفرطة” هي ما جعلته بارعاً في البقاء، إذ لا يرتبط بثابت مبدأ أو تحالف دائم مع رفاقه، بل يتغير حسب موازين القوى التي يرسمها له رئيس الحركة “مناوي”، مقابل ضمانات له في أي مكاسب تتعلق بالحركة من الناحية السياسية والعسكرية.
وأشارت مصادر ميدانية بحركة تحرير السودان إلى تذمر المئات من الشباب الفاعلين بوسائط التواصل من إحكام قبضة نورالدائم طه لملفات الحركة الحساسة التي تربطه برئيسها بشكل مباشر، غير أن نفوذه أدى للانقسامات الداخلية، والتآكل الإعلامي للقيادات الشبابية، مع تنامي حالة السخط وسطهم، لجهة قبضة “رجل المؤامرات” على المؤسسات الاعلامية في الحركة، مشيرين إلى أن قيادات عسكرية قريبة من الميدان، قاوموا تدخلات نورالدائم طه المركزية في وقت سابق، ما أدى لاعتقاله لثلاث أيام بالمقر العسكري بالحديقة الدولية في الخرطوم، قبالة شارع المطار في العام2021.
ويبدو أن وزير المعادن الذي أدي القسم بالأمس وزيراً والتشكيل الوزاري الجديد لحكومة الأمر الواقع ببورتسودان برئاسة كامل إدريس.. القيادي البارز بحركات مسار دارفور في إتفاق جوبا الذي بنى مجده مؤخراً على إدارة الصراعات وتأجيج الخلافات في حركة جيش تحرير السودان، يواجه اليوم ذات الأدوات التي التي استخدمها ضد خصومه من شباب وقيادات الحركة في وقت سابق، بينما هو يحاول الآن التمدد في المشهد العام لحكومة بورتسودان، إلا أن ثمة دوائر معتبرة في بورتسودان بدأت في تخوينه والتشكيك بالطعن في أهليته الوطنية وكفاءته العلمية والعملية لتولي حقيبة وزارة المعادن، بديلاً للوزير السابق محمد بشير ابونمو عن حصة الحركة في اتفاق جوبا للسلام.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.