مبارك الفاضل المهدي .. تحولات سريعة ومواقف سياسية متأرجحة .. ما الذي يصبو إليه الرجل البرغماتي؟
نيروبي - عين الحقيقة
اتسمت الحياة السياسية للسياسي المخضرم ـ رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي، بالتقلبات في المواقف وعدم الثبات في تبني أي وجهات نظر في كثير من القضايا، ومنذ اندلاع الحرب في السودان تباينت وتأرجحت آراء مبارك الفاضل ما بين التشدد والاعتدال والضبابية والغموض، إذ اتخذ في البداية موقفاً مؤيدا للحرب، وأعلن تأييداً للجيش، ثم تراجع الرجل مؤخراً وبدأ يدعو إلى السلام والحوار.
ومواقف المهدي المتذبذبة جعلت من السهولة وصفه بـ”البراغماتي” فهو احيانا المتهور، وغير العقلاني، لكنه ايضا في ذات الوقت يطلق تصريحات تبدو إيجابية وداعمة للحل السلمي والتغيير رافضاً لعودة حزب المؤتمر الوطني للمشهد، كما أن أراءه التي يطلقها تحدث حراكاً في المواقف وتحرك ساكناً في الساحة السياسية.
وبالعودة إلى سيرة حياة مبارك الفاضل المهدي فنجده شخصية سياسية بارزة لا يستهان بها، وحظي بتجارب عدة، وكان شاهد عصر ومشاركاً في صنع القرار في الأنظمة السابقة التي حكمت البلاد آخرها نظام الإنقاذ البائد، كل هذه التجارب المعتقة عصفت بفكره أعطته ميزة حسن التقدير وبناء التوقعات قبل اتخاذ القرار ، لذلك جاء تراجعه عن دعم معسكر الحرب وفق تقديرات ومعطيات منطقية، خاصة مع امتداد فترة الحرب واستحالة الحسم العسكري الذي راهن عليه الجيش والتكتلات المتحالفة معه.
مؤخرا تخلى مبارك الفاضل عن المهادنة في آراءه تجاه الإسلاميين، حيث خرج بتصريحات أكثر جرأة وشجاعة متحدثا عن من اطلق الرصاصة الأولى، وكتب تغريدة أثارت جدلاً واسعاً عبر منصة «إكس»، قال فيها إن: «التنظيم الإخواني في السودان هو من أطلق الرصاصة الأولى وتسبب في اندلاع الحرب الأخيرة».
وفي معرض تحليله لطبيعة الصراع تحدث المهدي لصحيفة إماراتية، ربط فيه بين ما جرى وبين مدى تغلغل الإخوان داخل الجيش السوداني، فيقول: «الإخوان في عهد البشير أدخلوا نحو 30 ألف ضابط إلى الجيش، أغلبهم في تخصصات فنية دقيقة، مما يجعل تأثيرهم باقياً، حتى بعد الثورة. وقد لفتُّ النظر لهذه النقطة لأني أعتقد أنها كانت عنصراً مركزياً في إشعال الحرب».
ويضيف: «تيار الإسلاميين أراد خلط الأوراق، ونجح في إبعاد القوى المدنية تماماً، ووجد في الجيش ملاذاً للعودة إلى السلطة. وقد احتضنهم الفريق البرهان، وموّلهم، وسمح لهم بإعادة ترتيب صفوفهم، حتى أنهم نظموا مؤتمر شورى التنظيم في عطبرة قبل اندلاع الحرب».
ويقول «الجيش تعرض لعملية إضعاف ممنهجة خلال عهدي نميري والبشير. لم يكن هنالك تجنيد واسع، وتم الاعتماد على قوات بديلة ذات طابع قبلي أو ديني، كالدفاع الشعبي وحرس الحدود والدعم السريع. وغياب قوة المشاة جعل الجيش نفسه هشاً».
ويتابع: «في عهد البشير، حوّلوا الحرب الأهلية إلى حرب عقائدية ضد الجنوب، وزجوا بالشباب في معارك خاسرة. وعندما خُيّروا بين سودان موحد بدون سلطة، وسودان مقسّم مع استمرار حكمهم، اختاروا الانفصال».
ويرى الفاضل أن الجيش يحتاج إلى إعادة بناء قومية قائلا: «نحن بحاجة لجيش يمثل كل أقاليم السودان، بحسب ثقلها السكاني، وجيش مدني العقيدة، لا متحزب الولاء. يجب أن تُعاد صياغة الكلية الحربية لتُنتج ضباطاً مؤمنين بالديمقراطية، لا خصوماً لها».
مستطردا «لا بد من منع التحزب داخل صفوف الجيش. فالتجربة أثبتت أن دخول الإخوان والبعثيين والناصريين والشيوعيين في المؤسسة العسكرية دمّر الجيش، وأدخل ثقافة الولاء قبل الكفاءة».
وتميز مبارك الفاضل المهدي بالمواكبة والحضور في قلب الأحداث، وبالرغم من عدم تمتع حزبه بالجماهيرية والثقل الكبير في الساحة السياسية، إلا أن مبارك المهدي غطي على ذلك بشخصيته المحنكة و أقواله التي يطلقها عبر الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي.
وفي آخر تعليقاته على مستجدات الوضع السياسي، أعرب رئيس حزب الأمة، مبارك الفاضل، عن دعمه لمبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لوقف الحرب في السودان.
وكشف مبارك في تغريدة على منصة “إكس”، عن مخاطبة مستشار ترمب لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط، مسعد بوليس، وطرحه له رؤية حزب الأمة لتحقيق السلام في السودان، واستعادة المسار الديمقراطي، وأضاف “نحن على يقين بنجاح اجتماع واشنطن في الـ 29 من الشهر الجاري لوقف الحرب في البلاد”.
ويبدو ان السياسة هي مبادى وأهداف وعندما تتغير المعطيات تبعاً لها تتغير المواقف، هكذا علقت المحامية نفسية حجر نائب رئيس هيئة محامي دارفور على تحولات مبارك الفاضل المهدي، وتقول نفيسة حجر أن السيد مبارك الفاضل هو أحد السياسين السودانين الذين اتسمت مواقفهم بالتغير بحسب المعطيات وتأثيره على الجمهور يتضح من خلال التأثير على صنع القرار السياسي وبرز ذلك من خلال دعمه للحرب وضرورة التخلص من الدعم السريع في السابق وقد كان من أشد المؤيدين للقوات المسلحة في بداية الحرب.
وتضيف قائلة : أعتقد أن موقفه هذا مبنى على سببين احدهما خاص والآخر عام، فبعد أن نهب منزله وسرق ذهب زوجته ونهبت شركة ابنه، هذا الأمر سبب له غبن شخصي وهذا هو السبب الخاص وهذا شئ طبيعي، أما السبب العام يرجع لاعتقاده ان انهيار الجيش يعني انهيار الدولة وتناسي في ذلك الوقت تأثير منسوبي الحركة الإسلامية على القرارات في مؤسسة الجيش السوداني والملاحظ ان تغير موقفه من دعم الحرب ودعَمه لخط وقفها جاء بعد سيطرة الدعم السريع على العديد من المواقع وبعد أن اتضح له جليا ان الجيش فرط في الجزيرة وجبل موية وابو حجار والدندر وبدء زحفه على النيل الازرق، بالإضافة لهزائم الجيش المتوالية واستهدافه لقواعد حزبه بالطيران الحربي تحت مسمى الحواضن، بالإضافة إلى رفض البرهان الذهاب إلى جنيف.
واضافت حجر “اعتقد انها هي أقوى الأسباب بالإضافة إلى طموح البرهان في الحفاظ على كرسي السلطة لأكبر فترة ممكنه دون الاكتراس للوضع الإنساني للمواطنين فقد وجد مبارك الفاضل وكثير من داعمي مؤسسة الجيش في ذلك الوقت ان هذه المؤسسة مختطفه وان البرهان ومجموعة الحركة الإسلامية التي معه يستغلون اصطفافهم حول الجيش واعتبروهم وسيلة لتنفيذ اجندتهم الأساسية وهي إعادة “الكيزأن” إلى المشهد مرة أخرى عبر إطالة أمد الحرب”.
وتري المحامية نفيسة حجر أن مبارك الفاضل اتخذ القرار السليم بدعمه لوقف الحرب لأن وقفها أصبح ضرورة حتمية، وتشير حجر إلى أنه قد اتضح جليا عدم جدية الجيش في وقف الحرب بدليل عدم التزامه بمخرجات منبر جدة، وما اتفق عليه الأطراف في المنامة ودعمه لاجتماع واشنطن، وقالت نعتبره شئ إيجابي فهو المدخل الحقيقي لوقف الحرب التي طال أمدها وتزايدت معها معاناة الشعب ودمرت من خلالها البني التحية.
و مع التحولات التي طرأت على مسيرة مبارك الفاضل المهدي، في فترة الحرب يرى مراقبون أنه ليس مستبعدا تقاربه مع دعاة السلام الذين اتخذوا موقفاً رافضاً للحرب منذ انطلاق شرارتها، وبحسب التوقعات أن الفاضل هو الأقرب لتحالف صمود، لكن لم يستبعد آخرون أن يفجر مفاجأة كبرى وينضم إلي تحالف تأسيس، لكن يبقي الاحتمال الأول وارداً بانضمامه إلى صمود، التي لطالما أبدى دعماً واضحاً لتحركات التحالف بقيادة رئيس الوزراء السابق د. عبدالله حمدوك.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.