الجيش والدعم السريع: تداعيات توازن الضعف على إجتماع واشنطن.

بقلم - الدكتور إبراهيم زريبة

قال الشاعر زهير بن أبي سلمى، مادحا جهود الوسطاء والوساطة لإنهاء حرب مطولة دارت رحاها إبان الحقبة الجاهلية بين قبيلتي عبس وذبيان، واصفا الحالة المزرية التي خلفتها الحرب في طرفي القتال.

تداركتما عبس وذبيان بعدما**
تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم**

ويصف الشاعر بشكل أدق وضع الطرفين المنهكين من الحرب، والذي سيدفعهما بالقبول بمقترحات الوساطة والقبول بشروطها للسلام:

تداركتما عبس وقد ثل عرشها**
وذبيان قد زلت بأقدامها النعل**

من المهم جدا للوساطة قراءة أوضاع الطرفين والظروف المحيطة بهما لتحديد أنسب توقيت للدعوة إلى التفاوض.

أفضل توقيت لدعوة أطراف الحرب، أي حرب، للتفاوض هو عندما تكون اطراف الحرب في أضعف حالاتها، فهل ينطبق هذا على الجيش والدعم السريع في الوقت الراهن؟

وهل ستفلح جهود واشنطن الشاملة للوسطاء والمسهلين (والمأثرين) في الدفع بالطرفين للقبول بالمقترحات المتوقعة للتسوية؟.

هنالك متغيرات في الأوضاع بالنسبة للجيش وكذلك متغيرات في الأوضاع المحيطة بالدعم السريع. تلك المتغيرات سيكون لها تأثير كبير في التعاطي مع مخرجات واشنطن:

أولا – بالنسبة للجيش:

1- فقد خدمات حليفه إيران، المزود الرئيسي بالسلاح بعد إندلاع حرب 15 أبريل، بعد دخول إيران في الحرب مع إسرائيل.

2- إسرائيل وحلفاءها سيحاصرون حلفاء إيران في الإقليم ومنهم حزب الله وحركة حماس والحوثيين وبالطبع الحكومة في بورتسودان (الإسلاميين).

3- قدرة الدعم السريع في الوصول بمسيراته إلي ميناء بورتسودان وتدمير إحتياطات الوقود ومخازن الأسلحة وتهديد ميناء بورتسودان، خط الإمداد الرئيسي للجيش، كل ذلك قد يدفع الجيش لإعادة التفكير في مواقفه المتشددة تجاه القبول بالتفاوض.

4- الجبهة الداخلية غير متماسكة بالنسبة للجيش وهنالك أزمة كبيرة صاحبت التشكيل الوزاري لحكومة كامل إدريس أميزها المشكلة التي خلقها مسار دارفور بإتفاقية جوبا لسلام السودان (القوات المشتركة)، هذه الأزمة سيكون لها تداعياتها الكبيرة أيضا على المشهد السياسي في السودان.

5- الضغط الدولي والإقليمي على رئيس الحكومة في بورتسودان، عبدالفتاح البرهان، للتخلي عن الإسلاميين.

6- النقطة المهمة للجيش والتي شكلت مانعا ضد الإستجابة لمساعي السلام ،هي قدرته على إجلاء الدعم السريع من كل وسط السودان والعاصمة القومية المثلثة، ونقله الحرب بشكل كامل إلي إقليم كردفان، زاحفا نحو دارفور.

ثانيا – الدعم السريع:

فيما يتعلق بالدعم السريع يعاني أيضا من مشاكل عويصة وأوضاع إستثنائية قد تدفعه للقبول بمخرجات إجتماع واشنطن أو التسوية:

1- تراجعه عن وسط السودان بالكامل بالإضافة إلى العاصمة المثلثة.

2- هنالك هشاشة واضحة في التماسك الداخلي للدعم السريع. سيزيد من تلك الهشاشة ويعمقها، وفقا للمعطيات الجارية، تشكيل حكومة تأسيس المرتقبة دون الإستناد ألى أي معايير منطقية موضوعية في إختيار مكونات تلك الحكومة.

3- نقل الحرب إلى كردفان ودارفور (حواضن الدعم السريع)، وإنتقال كل تلك القوات المنسحبة من الجزيرة والعاصمة إلي غرب السودان سيكون له تداعياته الأمنية والإقتصادية على المجتمعات هناك.

4- القصور الإداري في أماكن سيطرة الدعم السريع ناحية تقديم الخدمات والإقتصاد إنعكس على معاش الناس طيلة فترة الحرب وولد معاناه ستضغط على الدعم السريع للقبول بالحلول.

الخلاصة:

وفقا للمعطيات التي ذكرت، فقد يكون الطرفان المحتربان قد وصلا إلى نقطة توازن الضعف وهي نقطة مهمة للوساطة وللأسرة الدولية، اذا ما تم استغلالها بشكل جيد للدفع بالطرفين إلى القبول بمقترحات التسوية التي سينتجها اجتماع واشنطن، التي قد تشمل مقترح لوقف إطلاق نار يخلق بيئة مواتية لتقديم العون الإنساني ويمهد لتفاوض سياسي قد يقود لتوقيع سلام شامل.

وما قد يدفع بالمجهودات الدولية إلى الأمام هو زوال الموانع السابقة للجيش متمثلة في تغيير الموازين الميدانية بعد سيطرته على الجزيرة والعاصمة، أما الدعم السريع فثباته في كردفان وسيطرته على المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا هي نقاط جيدة للجلوس على طاولة التفاوض بندية مضاف إليها قدرته على الوصول إلى ميناء بورتسودان وتهديد خط الإمداد الرئيسي للجيش السوداني.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.