عبدالعزيز عشر يفلح في تحويل حركة العدل والمساواة من مشروع سياسي إلى شبكة مصالح خاصة
بورتسودان - عين الحقيقة
في دهاليز حركة العدل والمساواة، وتحديداً داخل أروقة الصراعات المحتدمة حول المناصب الوزارية في حكومة بورتسودان الجديدة برئاسة د. كامل إدريس، ظهر جلياً في حديث المدينة اسم د. عبدالعزيز نور عشر، الأخ غير الشقيق لرئيس حركة العدل والمساواة، د. جبريل إبراهيم، بوصفه الفاعل الخفي في ترجيح كفة تيار دون آخر لكسب وزارة التنمية الاجتماعية، التي ظلت تُعد ثاني أهم الوزارات التي آلت للحركة في اتفاق جوبا للسلام بعد وزارة المالية.
وعلى الرغم من محاولات رئيس الحركة لاحتواء التوتر المتصاعد بين تيارات الحركة آنذاك، إلا أن الوقائع أكدت أن التيار الذي يقوده عبدالعزيز عشر، تمكن من حسم الصراع لصالح الأمين السياسي للحركة، معتصم أحمد صالح، بإقصاء مولانا أحمد آدم بخيت، الوزير السابق والأمين العام للحركة، من تولي الحقيبة مجدداً.
مصادر مطلعة بحركة العدل والمساواة: معتصم أحمد صالح لم يكن المرشح الأوفر حظاً عند بداية الترشيحات، بل إن الصراع كاد أن يُحسم لصالح مولانا أحمد آدم بخيت..
وفي سياق صراع التيارين، ذكرت مصادر مطلعة بحركة العدل والمساواة لصحيفة “عين الحقيقة” أن معتصم أحمد صالح لم يكن المرشح الأوفر حظاً عند بداية الترشيحات، بل إن الصراع كاد أن يُحسم لصالح مولانا أحمد آدم بخيت، لا سيما مع الحملات الإعلامية التي قادها أنصاره، وعلى رأسهم القيادي بالحركة، آدم عيسى، الذي دعا لإعادة احمد آدم بخيت إلى الوزارة نظير “الخبرة والاتزان” غير أن تدخل عبدالعزيز عشر، بالانحياز للتيار الذي يقوده الامين السياسي للحركة معتصم أحمد صالح حسم الوزارة لصالحه.
إلى ذلك، أكد قيادي رفيع بالحركة، فضل عدم ذكر اسمه، أن “عبدالعزيز نور عشر زج برئيس الحركة، جبريل إبراهيم في عمق صراع تيارات الحركة، بحكم العلاقة الأخوية”، مستطرداً: “لذلك هو أكثر من يحظى بثقته في الملفات الداخلية، مع منحه سلطة غير معلنة لكنها فاعلة في إدارة التوازنات والصراعات وسط تيارات الحركة، خاصة شلة المكاسب والمصالح المرتبطة بالتعيينات في المواقع السياسية للحركة والترشيحات للمناصب الحكومية.
وطبقاً لإفادات قيادات سابقة في حركة العدل والمساواة، أن عبدالعزيز عشر لعب دوراً محورياً في الدفع بمعتصم احمد صالح إلى وزارة التنمية الاجتماعية والموارد البشرية، بدعم مباشر وغير مباشر، امتدت من قيادة الحركة إلى دوائر اتخاذ القرار بحكومة الأمر الواقع في بورتسودان.
مصادر مطلعة في الحركة، التملق لعشر مكنه من الوزارة بالعودة من مؤسسة “ثمرات” إلى واجهة السلطة مجدداً..
وبرز الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، معتصم أحمد صالح كشخص مثير للجدل، إذ سبق له في العام 2019، إبان حكومة ثورة ديسمبر، أن تورط في تبديل اسم المرشح الأول “أحمد آدم بخيت” للوزارة نفسها باسمه، وهو ما أثار موجة غضب واسعة وسط اعضاء الحركة آنذاك، مما تسبب في أزمة ثقة استمرت لأعوام.
وحول علاقته بالأخ والمستشار المقرب من رئيس الحركة عبدالعزيز عشر، أوضحت مصادر مطلعة في الحركة، بأن التملق لعشر مكنه من الوزارة بالعودة من مؤسسة “ثمرات” إلى واجهة السلطة مجدداً، في وقت تعاني فيه الحركة من انقسامات داخلية حادة، وتصدعات عكست صراع الأجنحة والتيارات، أدت إلى تآكل المكاسب السياسية التي منحتها اتفاقية جوبا للسلام.
ويقول مراقبون إن الصراع ما عادت محصوراً داخل المؤسسات التنظيمية للحركة فحسب، بل تمدد ليشمل شبكة المصالح الاجتماعية والمالية لتيار عبدالعزيز عشر وابن عمته بشارة سليمان، الذين تمكنوا من تحريك القرارات المصيرية في الحركة لصالحهم، في وقت تتعالى فيه أصوات القيادات الوسيطة، مطالبة بإعادة بناء الهيكل التنظيمي على أسس أكثر شفافية وعدالة، وتابع المراقبون أن كل الدعوات الإصلاحية للحركة لم تجد آذاناً صاغية، بل تُقابل أما بالتجاهل او التسويف من قيادة الحركة.
وعلى صعيد صراع تياري عشر -أحمد آدم بخيت، ثمة تيار ثالث داخل الحركة ظل يتبنى موقف المتفرج الصامت، مدفوعاً بالخوف من فقدان امتيازاته، وهم عدد من القيادات الذين عرفوا بولائهم التقليدي لرئيس الحركة، جبريل إبراهيم، على رأسهم العمدة آدم خاطر، بجانب عدد من أبناء عشيرة جبريل، الذين اكتفوا بالفرجة والمراقبة في صمت دون التدخل، حفاظاً على مصالحهم الذاتية.
مقربون من مطبخ القرار السياسي للحركة: جبريل بات يجد صعوبة في ضبط التوازنات الداخلية..
وبالإشارة للصراعات المعقدة، أبان مقربون من مطبخ القرار السياسي للحركة أن رئيسها، د. جبريل إبراهيم، بات يجد صعوبة في ضبط التوازنات الداخلية، بالأخص مع تزايد تأثير “الحلقة الضيقة” حوله، والتي يتصدرها أخيه غير الشقيق، عبدالعزيز عشر، بشكل ملحوظ، مشيرين إلى أن نفوذه أصبح مصدر قلق حتى داخل القيادة العليا، وسط اتهامات غير معلنة بأن جبريل يفضل علاقاته العائلية على المؤسسية التنظيمية، مضيفين: أن ممارسات عشر أدت إلى تصدع صورة الحركة السياسية، وحولتها تدريجياً إلى كيان قبلي وعشائري، تهيمن عليها شبكة علاقات اجتماعية مغلقة من الأقارب والأصدقاء المقربين.
وبالنظر إلى ما حدث من صراع بشأن وزارة التنمية الاجتماعية والموارد البشرية بين الأطراف، أفادت مصادرنا بحركة العدل والمساواة، أن صراع تيارات المصالح والمكاسب الضيقة أصبح مؤشراً إضافياً على اتساع الفجوة بين القواعد والقيادة، في ظل غياب الشفافية، وانعدام آليات النظم والرقابة الداخلية بالحركة، مستدركين “أن الوزارة محل الصراع كانت تمثل رمزاً لوجود الحركة في الهياكل التنفيذية للحكومات والمنظمات، وتحمل طابعاً خدمياً يستهدف الشرائح الضعيفة من المجتمع، مما يجعل أمر تعيين من يقودها موضع اهتمام واسع داخل وخارج الحركة.
ويرى مراقبون أن ما حدث من صراع حول وزارة التنمية الاجتماعية ليس سوى صورة مصغرة لما يجري داخل بقية مكونات الحركات المسلحة، التي تعيش على وقع نزاعات المناصب، في وقت يفقد فيه المقاتلون أرواحهم بجبهات القتال، مشيرين إلى تسريبات متعمدة من جنرالات الجيش، تهدف إلى تصوير مشاركة القوات المشتركة كعمل ارتزاق، علاوة علي إضعاف مصداقيتهم، وتعميق الهوة بينها وبين مؤيدي الجيش، الذين بدؤوا أكثر تذمراً من السلوك الإعلامي الذي تبديه قيادات الحركات المسلحة، باسم القوات المشتركة.
يظل تفكك الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام هو الأقرب للواقع، مع تحول كثير من مكوناتها إلى مراكز صراعات على السلطة والثروة والامتيازات..
ويظل تفكك الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام هو الأقرب للواقع، مع تحول كثير من مكوناتها إلى مراكز صراعات على السلطة والثروة والامتيازات.. بيد أن ثمة تساؤلات واسعة برزت إلى السطح حول مستقبل حركات اتفاق جوبا، وقدرتها على البقاء كقوى سياسية ذات مشروع سياسي وفكري داعم لعملية التغيير في البلاد، وليس محض واجهات قبلية عشائرية متنفذة تحمل السلاح بغية تقاسم السلطة والثروة.
ويبقى السؤال المعلق: هل؟ انتصر تيار عبدالعزيز عشر على تيار مولانا أحمد آدم بالفعل، أم أن الصراع حول علي كرسي الوزارة، ما هو إلا جولة أولى لحرب داخلية أشمل، ربما تطيح بتوازنات الحركة الاجتماعية والسياسية كلياً، مع عجز رئيس الحركة، جبريل إبراهيم في حسم الخلافات، والإمساك بالعصا من المنتصف، وسط هذا التآكل المتسارع.
على كل حال، فأن كسب تيار عبدالعزيز عشر للوزارة لم يكن مجرد انتصار فردي، بل يعبر عن صعود نفوذ جديد داخل الحركة، يقوده عشر، الأخ غير الشقيق لرئيس الحركة، جبريل إبراهيم، الذي بات شريكاً غير معلن في إدارة دفة حركة العدل والمساواة على الإطلاق.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.