الجميل الفاضل يكتب من نيالا: يوميات “البحير”: (2) هنا، ميزان الحرب يتبدل داخل الأذهان؟!
جميل الفاضل
“نيالا”، مدينة صرت انأي عن زماني الخاص، كلما بت أدنو رويدا رويدا من تضاريسها ومن معالمها.
رغم أنها مدينة ظلت تعتصر آلامها، تنطوي علي جراحها الغائرة، بين قعقعة السلاح ودوي المدافع، وأزيز الطائرات.
دفعت ثمن جلدها وصبرها عقابا يوميا قاسيا كان يوقعه عليها جبابرة هذا الزمان، مرسلو المسيرات، وصانعو “الكباب البشري”، بفولاذهم الطائر فوق مساكنها ليخبز سكانها تحت الانقاض.
عما قليل، ستصبح هذه المدينة الجريحة ذاتها، عاصمة لسودان جديد مكتمل الأركان، يقوم علي مبدأ وفكرة احداث تغيير جذري شامل، يطال بنية الدولة وكافة أجهزتها لا سيما الجيش الذي لا زال الإسلاميون يراهنون حتي في مقبل الأيام علي استمرار دوره كغرفة للتحكم والسيطرة علي البلاد.
أكد ذلك، اعتراف نادر نشرته وكالة رويترز للانباء، للقيادي الإسلامي احمد هارون أقر فيه بالقول: ليس سرًا أننا نؤيد الجيش استجابةً لنداء القائد العام، و”من أجل بقائنا”.
هذه الرغبة في البقاء بالحكم هي ربما ما دفع هارون لأن يرجح استمرار الجيش في السياسة بعد الحرب، وإلي حين الانتخابات التي قال أنها قد توفر طريقا لعودة حزبه والحركة الإسلامية الي السلطة.
علي الأقل هكذا يفكر هارون ومن معه إلي يومنا هذا.
فقد قال صن تزو في كتابه فن الحرب: “إذا كنت تعرف عدوك وتعرف نفسك، فلن تخشى نتيجة مائة معركة.
وإذا كنت تعرف نفسك ولا تعرف عدوك، فسوف تعاني من الهزيمة مع كل انتصار تحققه.
وإذا كنت لا تعرف عدوك ولا تعرف نفسك، فسوف تستسلم في كل معركة”.
فميزان مثل هذه الحروب لا يتبدل علي الأرض، بل يتبدل أول ما يتبدل داخل العقول والاذهان.
ولهذا كنت اقضي غالب يومي بين العامة في الأسواق من موقف الجنينة الواقع أقصي غرب المدينة، والي “الملجة” شرقيها، وفي سوقها الكبير العائد بعد غياب للاتجار والتسوق، أنقب في الأذهان ما استطعت إلي ذلك سبيلا.
علي أية حال، هنا روح العنقاء قوية جدًا.
العنقاء ذلك الكائن الخرافي قادر على أن يحترق بالكامل ويبعث من رماده، في عملية قد تؤدي إلى تغييرات جذرية وإيجابية للغاية، من خلال محو كل أعباء الماضي، والبدء من جديد.
هناك في هذه الأسواق كما يقول طرفة بن العبد:
سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ
وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تَبِع لَهُ
بَتاتاً وَلَم تَضرِب لَهُ وَقتَ مَوعِدِ.
فضلا عن اني في نيالا الآن، ضيفا علي نفسي أحل، أتجاذب معها أطراف الحديث، لا أحول بين عقلي وتشاؤمه أحيانا، وبين إرادتي وتفاؤلها الراجح في أغلب الأحيان.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.